د. جاسر الحربش
للأسف حظوظ السعودية فيما تملك من الفضائيات لا يتناسب مع الأهداف والأموال المصروفة. محطات الداخل بطواقمها السعوديين هزيلة، وتلك التي تبث من الخارج مخترقة من أجانب محترفين ولاؤهم لخارج الحدود. منظومة الإم بي سي تركز على مخاطبة الجسد والغرائز بذريعة الترويج للحريات الشخصية، سواء على مستوى الأفلام المنتقاة غالباً من مسلسلات الجنس والجريمة، أو على مستوى برامج المواهب الشبابية التافهة، أما المحطات الإخبارية المحسوبة على السعودية فلا يعرف المشاهد فيها العين من الغين.
لم أنزعج لوقاحة محطة الإم بي سي (هكذا تسمي نفسها وعليكم الترجمة) بعد تحريضها المباشر تحديداً للشابة الخليجية بأن تتصرف بحرية كاملة فيما تملكه من المواصفات الجسدية. لم أنزعج لأن هذه السقطة يجب أن تعني للمسؤول تنظيف المحطة من الشوائب الاحترافية المدمجة في برامج المحطة.
اسأل أي شاب سعودي يمر بفترة طيش وانفلات، هل يود أن تكون زوجة المستقبل من صنف المتصرفات بحريتها الجسدية، والجواب سوف يكون أعوذ بالله. نفس الجواب سوف تسمعه من الشابة السعودية عن شريك العمر. بالمنطق التربوي الاجتماعي المتماسك، كل عود يكتسب صلابة إضافية بالاصطفاف إلى جانب الأعواد الأخرى، والحزمة هي محصلة قوة الأعواد مجتمعة. الانفلات الغرائزي هو المضاد للاصطفاف النوعي والصلابة.
ولكن مهلا ً قبل أن يفرح المتزمت الذي يريد اصطفافا ً تكون فيه الأعواد بنفس الطول والعرض والمواصفات. الاصطفاف الاجتماعي لا يعني التخلي أو الاستغناء عن الفرادة الإيجابية الخاصة.
من المهم السؤال ومن المهم أن يعرف كل فرد اختلافه النوعي عن الآخرين وإلى أي حد يستطيع إظهار وتنمية فرادته الخاصة المختلفة عن الآخرين. الفرادة الجسدية هي الأقل قيمة، تستهلك ثم تتلاشى بسرعة ولا تضيف شيئا ً وتخلف حواليها سمعة نتنة.
نوع الإجابة على سؤال إلى أي حد أستطيع تنمية ما لدي من تفرد يشكل إما لب التكامل أو لب التفكك الاجتماعي. المجتمعات التي تشترط الانسجام الكامل بطريقة (عود من عرض حزمة في المثل الشعبي) تتحول إلى مجتمعات يابسة ناشفة لا طعم لها ولا لون. لا يوجد عبر التاريخ البشري مجتمع فرض التجانس الكامل ثم وصل إلى مستوى حضاري مبدع يحترمه ويهابه الآخرون.
نوعان من المجتمعات طبقت عبر التاريخ فرض التجانس الاجتماعي فانهارت سريعاً، تلك المجتمعات المحكومة بتقديس الماضي وإهمال شروط الزمن، وتلك المحكومة بتفاسير اعتسافية رغبوية للنصوص الدينية بهدف التطويع القسري.
تفصيل المسؤوليات والمكافآت حسب المواهب وليس حسب طاعة الاصطفاف يتيح للأعواد المختلفة في نفس الحزمة الضامة أن تستنبت أفكارا ً علمية وفكرية وتطبيقات تقنية وصناعية وزهورا ً ومسرحيات وموسيقى راقية ولوحات فنية، فتصبح الحياة أكثر غنى والمجتمع أكثر احتراماً ومهابة عند الآخرين. تقبل الفرادة النوعية للواحد ضمن المجموعة من أهم، بل هو أهم أدوات التطوير سواءً في السعودية أو غيرها، ولكن ليس على طريقة القنوات الفضائية المخترقة عندما تروج لحرية الجسد وتركز عليها كتطبيق أساسي للحريات الشخصية.