د. جاسر الحربش
لا أعرف حقيقة شعوري كعربي تجاه الضربة الأمريكية لقاعدة الشعيرات في سوريا. الضربة مستحقة لأنها وجهت لنظام قتل في خمس سنوات نصف مليون من مواطنيه، بعضهم بالغازات السامة والآلاف منهم أطفال. لكن من وجّه الضربة تصرّف بدون مرجعية سوى التفرّد بالقوة في عالم متوحش بالكامل. لذلك لا أدرى هل أفرح كمؤشر انتقام من المجرم مع الكثيرين، أم أخاف من توابع التفرّد بالقرار في المستقبل في عالم فوضوي.
الكل يعرف أن أمريكا ارتكبت في العراق عام 2003م جريمة تاريخية لا مثيل لها سمحت فيها لنفسها ولإيران العدو التاريخي للعراق بارتكاب الشنائع والفظائع في المكان والبشر والبيئة. معروف أيضاً أن ما يستقوي به المجرم الصهيوني في فلسطين مصدره التحيز الأمريكي للظالم ضد المظلوم، وكل جرائمه مرصودة بالتفاصيل في السجلات الأمريكية.
رغم ذلك أعترف دون إكراه بأن المأساة الإنسانية في فلسطين والعراق وسوريا لن تحلّها كل دول العالم مجتمعة دون موافقة أمريكية. ليس عندي أمل في المدى المنظور سوى الأمل في أن تكفِّر أمريكا عن جرائمها السابقة بالتدخل المستقبلي لصالح من ظلمتهم ودفعت بهم إلى الموت والدمار والبؤس، راجياً أن لا يكون مثل أمل إبليس بالجنة.
في ليلة الخميس 7-4-2017م قصفت أمريكا قاعدة عسكرية لتحالف النظام السوري/الروسي المجرم بعد إبادته للمدنيين بالغازات السامة في خان شيخون. طيلة السنوات الخمس من العدوان في سوريا لم تتدخل دولة أخرى لصالح الشعب السوري المظلوم بما في ذلك كافة الدول العربية والإسلامية، سوى أمريكا بعد جريمة خان شيخون.
أثناء الحرب اليوغوسلافية في خاصرة أوروبا الجنوبية وقفت أوروبا بكاملها متفرجة على إبادة الصرب للبوسنيين والألبان المسلمين، بل إن الكتيبة الهولندية ربما سهلت للصرب إبادة عشرات الآلاف من المسلمين في سريبرينتسا. بعد الانتظار العبثي لأداء الأوروبيين واجبهم الإنساني في قارتهم قصفت أمريكا الجيش الصربي ومراكز ميليشياته وأنهت المجازر. قبل ذلك أنهت أمريكا الحرب العالمية الثانية بسحق ألمانيا واليابان، الدولتان العنصريتان اللتان نشرتا الدمار في أوروبا وآسيا بقصد التوسع.
مشكلة العالم مع أمريكا أن كل دولة تتظاهر بكره أمريكا في العلن وتتودد لها خلف الكواليس. روسيا تزاحمها على مناطق النفوذ، لكنها تستجدي اللطف في تطبيق العقوبات الاقتصادية والمالية من أوروبا واليابان ونصف دول العالم بأوامر أمريكية. الصين طلبت في تجمع دافوس السويسري حل المشاكل الدولية بالتجارة الحرة، لأن السوق الأمريكية هي أكبر مستهلك للبضائع الصينية وبدون أمريكا ينهار الاقتصاد الصيني. إيران تهاجم أمريكا في الإعلام وتغمز لها بعين المحب بطريقة نحن أفضل لكم من جيراننا العرب، اتركونا فقط نساعدكم على تحطيمهم لمصلحة الطرفين نحن وأنتم.
كل مواطن في العالم الثالث يلعن أمريكا في العلن ويتمنى فرصة للهجرة إلى هذه الدولة اللعينة، حتى أولئك الذين يكرهون أمريكا لأسباب عقائدية يستميتون للحصول على تأشيرة علاج فيها عند الحاجة.
انطلاقاً من هذا الحضور المخترق للحدود وللسياسات نصبت أمريكا نفسها كسيف عقوبة وسيف عدل في العالم، لأنه لا يوجد أحد يغامر بحل الصراعات المدمرة غيرها، بما فيها تلك الصراعات التي تفتعلها بنفسها.
لنعترف مرغمين، بدون أمل التدخل الأمريكي لن تتوقف المجازر والحروب في الشرق الأوسط، فهي التي تستطيع القيام بدور مشعل الحرائق والإطفائي في نفس الوقت، وإن كان هناك من منافس فليتفضل.