د. أحمد الفراج
يتفق معظم الساسة والمعلقين والخبراء العسكريون على أن تعقيد الأزمة السورية حالياً يقع على عاتق الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، والذي وضع خطوطاً حمراء لنظام الأسد، وهي الخطوط التي تجاوزها النظام، عندما استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، في 2013، ثم وبعدما استعد كل العالم لضربة أمريكية عسكرية تأديبية لنظام دمشق، تراجع أوباما، وسط ذهول المجتمع الدولي، إذ إن تجرؤ أي نظام على استخدام أسلحة محرَّمة له تداعياته التي تشعل كل الخطوط الحمراء، كما يعتبر تحدياً للعالم وللمنظمات الدولية، ومساساً بالأمن والسلم الدوليين، ومع ذلك أعلن أوباما عن التراجع، بحجة أنه سيتم تدمير كل أسلحة نظام بشار المحرَّمة، وفهم بشار ووراءه إيران وروسيا أن أمريكا لا تمانع من قتل السوريين بالأسلحة التقليدية، وبالتالي تم التصعيد من قبل إيران، ثم انتهى الأمر بتدخل روسيا على الأرض السورية بمباركة أوبامية معتبرة.
كل هذا تغيّر قبل أيام، عندما استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية لقتل شعبه، فجاء الرد الأمريكي سريعاً وحاسماً من الرئيس ترمب، وذلك بضرب قاعدة الشعيرات بستين صاروخ توماهوك، من سفن حربية، وما زالت تداعيات ذلك محل شد وجذب، فقد باركت معظم دول العالم هذه الضربة، وشجبها حلفاء سوريا، أي إيران وروسيا، وأعلنتا أنهما لن يصمتا حيال أي اعتداء جديد، ومع أن الضربة كانت يتيمة، إلا أنها كانت رسالة قوية وواضحة لنظام بشار وحلفائه بأن هناك «جنرالاً جديداً» في واشنطن، وأن هذا الجنرال مستعد لاستخدام القوة متى ما تطلب الأمن العالمي ذلك، كما أن هذا الجنرال عازم على إعادة الهيبة الأمريكية، والتي تعتبر ضرورية لتأديب الخارجين على القانون الدولي، ولا يمكن أن تُقاس فلسفة أوباما السياسية بنظيرتها لدى ترمب على أي حال.
ورغم أن الضربة العسكرية الخاطفة للنظام السوري كانت سريعة ومحدودة، إلا أن رمزيتها كانت كبيرة، وهي عودة الأسد الأمريكي إلى المسرح العالمي بقوة، بعد أن تفرد بوتين بالمشهد طوال سنوات حكم أوباما، وتجدر الإشارة هنا إلى أن ترمب شاهد صور ضحايا كيماوي الأسد، وتأثر بها كثيراً، وبحكم متابعتي لترمب على مدى سنوات طويلة، وحتى قبل أن يترشح للرئاسة، فإنني أعرف أنه شخص صريح، أو «ما في قلبه على لسانه»، كما يُقال في الأمثال، فهو لا يجيد نفاق الساسة المحترفين، وقد أيقنت، بعد مشاهدة كلمته تعليقاً على مجزرة خان شيخون، أنه سيفعل شيئاً، وقد كتبت في حسابي على تويتر، وتوقعت الضربة العسكرية، قبل حدوثها بساعات، فقد كان ترمب متأثراً جداً بما شاهده على نشرات الأخبار، وهو شخص لا يجيد التمثيل كما ذكرنا آنفاً، ولا يمكن التقليل من دور وزير الدفاع، والجنرال المحترف، جيمس ماتس، ومستشاري ترمب المقربين منه، جاريد كوشنر وايفانكا ترمب، وجدير بالقول إن كبير الإستراتيجيين في إدارة ترمب، ستيف بانون، كان ضد الضربة العسكرية، مع أن موقعه يفترض أن يكون من أشد داعميها، وذلك يعود لأسباب أيدولوجية، فالسيد بانون يميني متطرف، وفلسفته، هو ومنهم مثله، هي أن الرئيس الأمريكي يجب أن يكون رئيساً لأمريكا فقط، لا رئيساً للعالم، وهي فلسفة المحافظين من أقصى اليمين، ولكن يبدو أن ترمب لم يستمع له، وهناك إشارات على أن ستيف بانون لم يعد يملك تلك الحظوة لدى ترمب، رغم أنه كان عقله المدبر حتى قبل فترة قصيرة، وسنواصل الحديث حول هذه التطورات مستقبلا!