هاني سالم مسهور
لم تعرف منطقة الشرق الأوسط كهذا الاهتزاز الواسع سياسياً وعسكرياً، تساقط الأنظمة السياسية بهذه الصورة الدراماتيكية التي بدأت منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003م، سقوط النظام العراقي بتلك الصورة كشف في الحقيقة أن تركيبة الأنظمة القومية العربية تعاني من شرخ عميق في داخلها ومع تعرضها للاهتزاز العنيف تهاوت الدولة ووصلت إلى حالة التفتت الكامل مما أسهمَ في تفكيك الدولة.
لم يحدث من قبل في التاريخ الحديث للمنطقة أن هشاشة الدول وانهيار المؤسسات يهددان نظام الدولة القومية، تزايد الهويات غير الوطنية، والتي تعتمد على الدين والعرق، وقد أصبح لها حشد قوي من الناس، ولكن هذه ليست من التحديات البالية التي تقلق المجتمع الدولي، لأن المشكلة هي صعود الجهات الفعَّالة العنيفة غير الحكومية، والتي يمكن أن يطلق عليها إرهابيين أو مليشيات، أو حتى قوات شبه عسكرية.
أمام واقع التحدي الذي تمثّله الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مدى وجودها منذ 1979م، وحتى في زمن حكم الشاه، تبقى المطامع الإيرانية في البلدان العربية تحدياً من تحديات الأنظمة العربية، فشلت إيران عسكرياً في حربها مع العراق على مدى ثماني سنوات، لم تتوقف إيران عند هزيمتها من العراق، بل ذهبت إلى تأسيس مليشياتها في جنوب لبنان مستغلةً مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهنالك نشأ ذراعها (حزب الله) خارج إطار الدولة اللبنانية ليتكرر ذلك لاحقاً في العراق وسوريا واليمن.
اختلالات الأنظمة السياسية أوقعت الدول وصعدت من خلالها التنظيمات الإرهابية التي بسطت نفوذها على المجتمعات واستطاعت السيطرة على الموارد الأساسية، هذا الهيكل ونظام الحكم غير المستدام قادا إلى تحويل رؤساء المليشيات والجماعات المسلحة إلى مديري الدولة، وهي جماعات لا تهتم كثيراً بالمعايير الدولية وحقوق الإنسان، فقط تصنع الصراعات الدينية، الاستقرار السياسي والأمن يتفاعلان مع بعضهما بعضاً لتمكين خلق فرص عمل وخدمات عامة، للتخفيف من حدة الأزمات الإنسانية التي لم ينجم عنها «داعش» فقط، بل أدت أيضًا إلى تدفق اللاجئين إلى أوروبا وأماكن أخرى.
في أبريل 2016م انهزم تنظيم القاعدة في المُكلّا بضربة سريعة ومباشرة، كانت مؤشراً لإمكانية هزيمة «داعش» في أقوى مناطق وجوده في العراق وسوريا، العمليات القتالية ضد «داعش» في الموصل حققت نتائج جيدة وإن كان الثمن الإنساني باهظاً بعد تزايد عدد اللاجئين المدنيين، في المقابل تستعد الولايات المتحدة لمواجهة الجزء الآخر من «داعش» في الرقة السورية.
يتنبأ الخبراء أن زيادة الضغط العسكري على «داعش» في سوريا والعراق، من خلال الحملة التي تقودها الولايات المتحدة، ستتسبب في انهيار الجماعة وإنهاء قدرتها على البقاء، إلا أن هذه الهجمات أدت إلى تدفق المجندين الجدد لتعزيز صورة أن الجماعة لا تقهر، ومع قصف المجتمع الدولي لـ«داعش» وفقدانه مجموعة كبيرة من الأراضي، يمكن توقع المزيد من الهجمات الإرهابية، هذا الاستحقاق الأمني يجب أن يرافقه قرارات سياسية واضحة تقتضي أولاً إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران فكل التنظيمات الإرهابية (داعش - القاعدة - الإخوان -حزب الله- أنصار الله - الحشد الشعبي) تُدار من طهران، إذن لن يتحقق الحل الأمني في الشرق الأوسط والعالم بغير فرض القيود الصارمة على الإيرانيين أولاً.