في أحد المقاهي التي اعتدت على ارتيادها من حين لآخر ، كنتُ أجد على أكوابهم, بعض العبارات الملهمة ,التي تمنحني حاجتي من التحفيز- أحيانًا- ولا أدري هل هي حقًا محفزة ,أم لأنني أحبّ ذلك المكان, أعماني حبه وأصماني, حتى صرت أرى مايصنعه جليلًا مهما صغر, أو ربما -حتى لاأظلم نفسي- لأنني امرأة تهتم للتفاصيل الصامتة , وتتعامل معها على أنها رسائل تحتاج إلى قارئ ومتأمل.
في ذلك المقهى كانوا يغيرون عباراتهم المكتوبة على الأكواب الورقيّة دوريًا؛ احتراما لزبائنهم, _وهذا ما يجدر بكل صاحب صنعة فعله_
في آخر زيارة لي لذلك المقهى, وجدت هذه العبارة باللغة الإنجليزية:» الحياة: أن تُبكِّرَ في يقظتك ساعة؛ لتزيد إلى عمرك ساعة»
هكذا بكل بساطة, يأتي تعريف الحياة الذي نمارسه, دون أن نسميه في مثل هذه الجملة البسيطة!
ولو توقفنا عند هذه العبارة لوجدنا أنها سياسة حياة أيضًا.
فالطالب الذي يشكو من ضيق الوقت في الاستذكار, لو قلل من ساعات نومه ساعة , سيكسب ساعة للاستذكار, وربما ينتهي في وقت أقل مما اعتاد عليه.
أيضًا الموظف الذي يُوقّع دائما تحت الخط الأحمر, لأنه يأبى ألايستيقظ إلا في ذات التوقيت يوميًا, لو بكر في يقظته, لوقّع فوق الخط الأحمر.
كلا الوجهين السابقين وجوه من وجوه الحياة الجديدة, فأي تغيير نحدثه- للأفضل- يمنحنا ساعات أطول للشعور بالسعادة , قبل أن تملّه النفس, وتبحث عن غيره.
في هذا الزمن اللاهث نحتاجُ لمثل هذه الإشارات الضوئية, التي نقف عندها، فتساعد على تحديثنا عن طريق جملة عابرة تحدث دويًّا ناعمًا يوقظنا.
هذا ما فطنت له مؤخرًا في المقاهي, والمطاعم العالميّة, التي صارت تهدي لزوارها مشاعل تنير لهم يومهم,بل وتصنعه , وهي واثقة من تأثيرها الذي سيعيدهم إليهاكلما شعروا بحاجتهم لأماكن تملأ أرواحهم لا بطونهم.
في هذا الزمن الراكض حد انقطاع النفس, ماعادت الناس تحتمل الكلام المكرور بطريقة سمجة, فالرتابة عدو, والإعادة تفتيت صبر.
مؤخرا صار الإنسان ينعزل رويدًا رويدا دون أن يشعر.
صار يختار عالمه الخاص الذي يشبهه ولايزعجه.. يشعر بفقد الصبر على حماقات الأخرين, أو حتى عقولهم المسكوبة في قوالب نصح جاهزة معدة للانفجار في وجهه كلما أتى بما لايتناسب وذوق الآخر ..صار كل واحد منا يحمل عالمه في حقيبته, أو في جيبه.
هذا العالم قديكون كتابًا, أو مواقع للكتابة, والتحدث مع الآخرين, كل بحسب مايستهويه.
القضية ليست سحر تقنية, بقدر ماهي رغبة في التحكم في الحياة بشكل أفضل.
تتحدث متى شئت..تصمت متى شئت.. إن أغضبك قوم في برنامج, حللت ضيفًا على آخرين في برنامج آخر.
الزمن لم يتغير, والإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان يبحث عما يبدد ضجره, وأفكاره السلبيه التي تفترسه إذا ماجلس وحيدًا من كل شيء حتى ذكر الله, فالبلوت والكيرم على سبيل المثال كانت لاتخلو منها المنازل قديما, فلاتكاد تدخل على أسره إلا وهم منشغلون بها, لذلك كان الخطاب الديني آنذاك منصب على تحريم هذا النوع من الملهيات, والآن تغير العالم إلى مواقع التواصل, فصار التحذير أشد ولكن المستمعون قلة, لأن الجميع: الناصح والمنصوح ؛كلهم ساروا مع الركب, وحلوا ضيوفًا على تلك (المضارب), التي صار يهرف فيها كلّ من يعرف ومن لايعرف.
- زكية العتيبي
Zakyah11@gmail.com