د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذه الحلقة الخامسة من وقفات مع كتاب (القرارات المجمعية في الألفاظ والأساليب، من 1934 إلى 1987م) إعداد محمد شوقي أمين وإبراهيم الترزي، نشره مجمع اللغة العربية في القاهرة، عام 1989م.
جاء في ص 130 «(هم غير آمنين وإلا لما طالبوا بالحدود الآمنة).
(إن أُعطي الإنسان ما طلب لتمنى لو يزاد).
يخطِّئُ بعض النقاد هذين الأسلوبين ونحوهما مما تجيء فيه اللام بعد (إن) الشرطية على أساس أن القواعد النحوية لا تجيز اقتران جواب (إنْ) باللام. وقد درست اللجنة هذه المسألة، ثم انتهت إلى تصحيح استعمال الأسلوبين وتوجيههما على أن اللام فيهما واقعة في جواب (لو) محذوفة، أو في جواب قسم مقدر إذا كان الكلام يقتضي التوكيد، استئناسًا بورود مثل ذلك في شعر من يحتج به كالنابغة، والشنفرى».
التأويل والتخريج مقبول في حق لغة الفصحاء القدماء، وأما تسويغ أخطاء الناس اليوم على ضعف لغتهم وجهلهم بها فهو أمر لا ضرورة له، ولا أرى ذلك مقبولًا، وأما ما استُشهد به من أبيات قليلة فهي مقبولة لغة؛ لأن اللغة أوسع من قواعدها؛ ولكنها لا تصلح للتقعيد عليها لخروجها عن القاعدة المنتزعة من الاستعمال الجمعي للغة، ولو قُعّد على كل ما يخالف القواعد لفنت القواعد.
جاء في ص 144 «يشيع على ألسنة المعاصرين نحو قولهم: فلان كفء أو من أهل الكفاءة، على حين أن نصوص اللغة والمعجمات في هذا المقام تقضي أن يقال: هو كاف أو من أهل الكفاية. وترى اللجنة أن معنى قول القائل: هو كفء، أو من أهل الكفاءة أنه يجانس العمل ويرتفع إلى مستواه. ولهذا ترى اللجنة أنه لا مانع من استعمال الكفء حيث يستعمل الكافي: والكفاءة حيث تستعمل الكفاية».
التكلف ظاهر في تسويغ خطأ المستعملين، والحق أنّ المانع من الاستعمال موجود، وهو أن المستعمل هذا التعبير لا يريد ما اقترحته اللجنة من معنى، بل غاية ما هناك أنه التبست عنده الكفاءة بالكفاية متوهمًا أن إحداهما تسهيل للأخرى، فهل يصح حسب قول اللجنة أن نضع الكفء في موضع الكافي في مثل: إنّ الله هو الكافي عبدَه. وأن نضع الكفاءة في موضع الكفاية في مثل: لا تكثر من الطعام ففي قليل منه الكفاية.
جاء في ص 162»شاع استعمال هذا اللفظ كثيرًا في لغة العصر في مثل: «استقطب الأستاذ طلابه»، بمعنى اجتذبهم ونحوه. وصيغة الفعل بهذه الصورة وهذا المعنى لم ترد في معجمات اللغة، ولهذا درسته اللجنة، ثم انتهت إلى أن كلمة (استقطاب) - وهي صيغة المصدر الذي أخذنا منه صيغة الفعل استقطب - مأخوذ من اللفظ العربي (قطب) لإفادة الطلب. ولا يقال إن القطب اسم ذات لأن المجمع قد أجاز ذلك في إقراره الاشتقاق من أسماء (الأعيان). ولهذا ترى اللجنة إجازة استعمال لفظ استقطب في المعنى الذي يستعمله المعاصرون فيه».
ولا حاجة للقول بالاشتقاق من (الأعيان) لأن الفعل (قطب) و(قطّب) بمعنى جمع، جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس «الْقَافُ وَالطَّاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ. يُقَالُ: جَاءَتِ الْعَرَبُ قَاطِبَةً، إِذَا جَاءَتْ بِأَجْمَعِهَا. وَيُقَالُ قَطَبْتُ الْكَأْسَ أَقْطِبُهَا قَطْبًا، إِذَا مَزَجْتُهَا. وَالْقِطَابُ: الْمِزَاجُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَطَبَ الرَّجُلُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ»؛ ولذلك ربما تكون استفعل في استقطب دالة على بلوغ الغاية في الفعل، فاستقطب الأستاذ طلابه أي بلغ الغاية في قطبهم أي جمعهم، وهو مثل استهلك، تقول استهلك ماله أي بلغ الغاية في إهلاكه، وقد تكون استفعل في (استقطب) للاتخاذ فاستقطبته اتخذته قطبًا، ويمكن فهم الاستعمال على سبيل القلب، وأن الأصل استقطب الطلابُ الأستاذَ أي اتخذوه قطبًا، ولكن جاء على القلب نحو أدخلت العمامة في رأسي وأدخلت الخاتم في أصبعي.