عبدالله بن محمد الشهيل
التضييق والخلاف:
على خلاف ما أريد للأندية الأدبية في أن تكون بمنأى عن: البيروقراطيات والمحسوبيات حتى لا تعرقل مساراتها.. وتعطل بالتعقيد كثيراً من فعالياتها.. وطيلة المدة التي امتدت من تأسيسها.. حتى انتقالها لوزارة الإعلام: لم يحاول المسؤولون عنها: إخراجها مما حدد لها بنظامها العام.. وهو: دائرة المجتمع المدني لكي لا تضيق مساحة تحركاتها.. وتأخذ الأبعاد الكافية دون مراقبة مباشرة.. وإنما: تنسيقية تقييمية.. وذلك بحسب: كم وكيف ما يقدمه: كل نادٍ.. وحاجاته لا أكثر.. وهذا ما كان سارياً في الأندية قبل تغيير مرجعيتها.
وما هو كائن: أن أكثر الذين يشغلون عضوية مجالس إدارات الأندية الأدبية من الذين ليسوا بعيدين كثيراً عن مرحلة الشباب.. وجُلهم إن لم يكن كلهم من الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية.. وفيهم: مبدعون.. ومثقفون مهمون.. وكُتاب مرموقون.. وبالحماس والنشاط يمتازون.. ولكن يبدو أن بعضهم تنقصهم الخبرة الإدارية.. والبعض: إما لم يقرؤوا النظام.. وإما قرؤوه.. ولكنهم لم يفهموه.. ومنهم بخاصة في السنوات الأربع التي جرى أثناءها: تعيين أعضاء مجالس إدارة للأندية الأدبية ببداية فترة انتقالها للإعلام بينهم: من لا علاقة لهم بالأدب إلا بالدراسة ولكنها كانت بعيدة عن اهتماماتهم وهواياتهم.. وعهدهم بها طواه النسيان.. لأنهم انشغلوا بالمفيد مادياً أكثر.
ولهذه الأسباب.. وغيرها: ضاقت المساحات.. وشاعت الخلافات.. وتصاعدت الخصومات.. وسادت التوترات إذ بان هذه الفترة.. وما بعدها إلى أن بلغت بأكثر من نادٍ المحاكم مما لم يخطر على البال.. فالخلافات مهما بلغت مادامت حول العمل.. فالمفروض ألا تتعدى: المرجعية بحدها الأقصى.. والتصرف في غير ما هو محدد.. وعدم تحمل إعانة النادي له يورطه بأزمة لا يجد الذين يديرونه إلا بتصرفٍ أقل ما يوصف به: أنه غير مسؤول.. مثال ذلك خلال فترة التعيين قبل الانتخابات الأخيرة.. والمكرمتين الملكيتين.. والتبرعات والرعايات: أن أحد الأندية صرف كل الإعانة على الدعوات.. والزيارات والانتدابات.. والمكافآت والإكراميات.. وأجرى رواتب شهرية لكافة أعضاء مجلس الإدارة.. وهذا يخالف النظام.. فأعضاء المجلس لا يستحق الرواتب منهم: إلا الرئيس.. وأمين السر.. وأمين الصندوق.. ونائب الرئيس يتقاضى راتب الرئيس عند غيابه مدة شهر.. وبقية أعضاء المجلس يتقاضون: مكافآت مقابل الجلسات.. فلم يبق نتيجة: عدمية الخبرة.. والمعرفة بالأنظمة ما يصرف على النشاطات.. ويدفع للموظفين والمستخدمين.. فما كان من أعضاء مجلس إدارة هذا النادي إلا أن تقدموا باستقالة جماعية.
ثالثاً: المطلوب
معلوم: أن لكل زمن إيقاعه الخاص.. المختلف عن سابقه.. لكن ما تأتي به: متغيراته كثيراً ما تحمل معها: سلبيات تجنبها.. وإن لجغرافية أي بلدٍ: موقعه.. وتضاريسه ومناخه.. وثروته الطبيعية: عوامل مهمة.. فالأهم: وعي وفهم أفراد أي مجتمع لماهية الإيقاع الزمني.. ونوعية متغيراته لتجنب السلبيات.. والأخذ بالإيجابيات.. والمزيد من التحديث والتطوير لأن القاعدة بأن الأزمنة: أحدثها أكثرها تطوراً.. ولكن بعد الفرز والتنقية.. فيهما إذا أحسن الاختيار: توفير المزيد من الحاجات.. وتبعاً لذلك: تصفوا نسبياً المشارب باستبعاد السلبي.. وتفعيل الإيجابي.. لأن الإطلاق: مستحيل.. والأزمنة صفاؤها مهما حملت من المنافع: لا تخلو من المضار.. حتى لو توافرت كافة موانعها تقل.. ولا تزول.
إننا بزمنٍ صعبٍ: تحدياته صعبة.. ومتغيراته ليست واضحة.. ويحفل بتعقيدات يصعب فهمها مما لابد من التفكير في صيغ فكرية بديلة نوعية قادرة على صد هذه التحديات.. وذلك بعد جمعها: تُدرس.. ويختار الأنسب منها.. ومن غير الممكن: أن يتم ذلك بوقت قصير.. وهي فرصة للأندية الأدبية التي حظيت بدعم يمكنها من التمهيد لمرحلة أكثر قدرة على المواجهة إن جد المسؤولون عنها بالتخلي عن المظهرية.. والشخصي إذ بذلك حتى لو صارت الأندية من الماضي: ستترك أثراً بالغ التأثير سيسجله التاريخ.. والفرصة ما زالت متاحة لكل نادٍ لتحقيق فعل أدبي بارز.. فيُعد ذلك إضافة نوعية لها قبل فوات الأوان بالبديل الذي ربما يحل محلها.. وهذا ما سنحاول: التوقف عنده على قدر ما نستطيعه بهذا القسم.
ما بعد الانتقال:
في أعقاب نقل الثقافة من رعاية الشباب إلى وزارة الإعلام: بدا لنا أن الوزارة مهتمة بالثقافة بتقديم اسمها.. وتخصيص وكالتين لها:
الأولى للشؤون الثقافية: المفروض أن تدعم المبدعين.. وتبحث عن الموهوبين.. وترعى المثقفين.. وتنظم الفعاليات.. وتُحدث: صندوقاً للتنمية الثقافية من أهدافه: إيجاد وسائل تمويلية.. لعل من أهمها: الإعانة الحكومية + طلب الموافقة على فرض 2.5 % على كل تذكرة من رسم دخول: المتاحف.. وأماكن التسلية.. والترفيه لصالح هذا الصندوق + التبرعات + الرعايات.. وذلك لعلاج المرضى.. ومساعدة المحتاجين من المثقفين.. ومتابعة أحوالهم.. وتسهيل مساعيهم.. وإقامة مشروعات ينتفعون منها.
الثانية للعلاقات الثقافية: المفروض أن تقوم بالتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة.. وعقد اتفاقات تعاون.. وتبادل ثقافي مع المحاضن الثقافية فيها.. وتنظيم المشاركات الخارجية.. وعرض الحديث والموروث.. وكل ما يبرز الشخصية الوطنية بالعالم.. غير أنه لم يتحقق من كل ذلك سوى القليل جداً.
حاجات المُنجز الثقافي:
كل منجز ثقافي في مختلف مستوياته سواء تراكم عشوائياً.. أو تراكمه مدروس ومتابع.. أو خمُل.. أو جمد عقب ازدهار.. أو جدد ونهض.. فإنه إذا لم تُلب حاجاته: الماقبلية والمابعدية: سيبقى محدود التأثير.. نظراً لأن أي فعل معنوي.. أو ملموس واسع التأثير إذا لم يُقم على أُسس متينة.. وتُراجع عقب إنجازه: غضون فترة قصيرة.. أو على الأقل - سيشاب بالعديد من النواقص.
الما قبل هو: أن أهم عامل من عوامل نهضة أي ثقافة: المسح الثقافي العام إنه لأول مرة يجري بمدة لا تقل عن عشرين عاماً.. أو يعاد أجراؤه من حين لآخر لمراجعة المنجز الممسوح ما بين خمسة وعشرين... وخمسين عاماً للنظر بما استدعاه: مرور الزمن من إضافات.. أو تحسين..أو استبدال.. وهذا ما تعمل الأمم المتقدمة التي ترى بأن الثقافة النوعية المتماسكة.. دائمة الصعود.. ومتتالية التنامي بجناحيها المنهجي.. واللامنهجي إلا بمسح ثقافي من حين لآخر شامل يلبي: حاجاتها العقلية والبدنية.. والمعيشية والإبداعية.. وقدراتها الإنتاجية والعسكرية.
والما بعد هو: أنه من غير الممكن اكتمال عناصر النجاح بأي مشروع ثقافي أُنجز ما لم يسبق نشره: مراجعة شاملة.. وتفصيلية بدقة.. وحرص شديد.. ولأكثر من مرة إلى أن يتبلور ويتماسك.. ويبلغ بالنضج منتهاه حتى تعلو فعاليته.. ويتوغل تأثيره.. وذلك بالتنقية والتزويد والتنقيح.. وإجراء عمليات فحص وتجريب.. وحذف وتعديل.. ومشاورات ومداولات.
ومن ثم: لابد من تحديد الجهات التي بواسطتها يتزايد تفعيل المنجز الثقافي الرسمي.. والشعبي بشقيه: النظري والعملي.. ويُشاع وينتشر مع حسب حساب: التنوع والخصوصيات.. وتوازن الكم بالكيف بقدر المستطاع.. ووضع ما يحد من تكاثر السلبيات.. وقوانين تحميه.. وتضمن تصاعده: علماً وفكراً.. وفناً وأدباً.. وانفتاحاً على كل ما هو جديد. ورحابة تتجلبب بالمعاصرة. وتُرفد بالأصالة.
إن الثقافة إذا ما أُنجز صنعها: تماميتها في أن تحصن.. ويتوجها الجمال.. ويكسوها البهاء.. والأهم: أن تنعكس كافة تجلياتها على التفكير والشعور: والتعامل والسلوك.. ونوعية العمل.. والوعي بما للفرد.. وما عليه حتى يخصب الإنتاج.. ويغتني الإبداع.. والطرح الفكري.
البديل:
برغم ما حققته: الأندية الأدبية منذ تأسيسها.. وللآن من مساهمات: حركت الركود.. فانتعشت تبعاً لذلك: الحياة الثقافية.. وخدمت جيداً الأجناس الأدبية.. فصعدت الحركة الأدبية بالجدل والحوار.. والائتلاف والاختلاف.. والنقد والإبداع.. وشهدت البلاد تنوعاً ثقافياً اغتنى بالتفاعل والتأثر.. ولكنها مع كل ذلك بات من الضروري: التفكير بالبديل المستجيب لأصعب التحديات التي بدأت تعصف بشدة في عالمنا.. خاصة منطقتنا.
إن البديل للأندية الأدبية: لا يمكن تحديده إلا عقب تكامل مقدمات النجاح.. والعناصر الضامنة لمعرفة نوعية شاملة: علماً وتعليماً.. وفكراً وفلسفة.. وأدباً وفناً.. واختصاصاً وتقنية.. ووعياً بالمستجدات.. والمخاطر والأزمات.. والمضار والمنافع.. والقادر على التأثير المُذاب بالذات.. وإحضار المناسب من التراث.. والحرص اللغة باعتبارها: عنوان كل أمة.. ومبعث نهوضها واستقلالها.. خاصة: اللغة العربية لضرورتها بحياة كل مسلم عقب نزول القرآن الكريم بها.. ولأنها أيضاً: ولادة.. ورحبة لا تضيق.. وخلاَّقة مبدعة.. وثرية قادرة على التطويع والاستقبال.. والاستيعاب والتجدد.. والإضافة والعطاء.. ومجاراة التطور.. وقد اكتست بالجمال.. وبواسطتها: صنعت حضارة إنسانية كبرى.. لكن من المؤسف جداً: أن أهلها أهملوها.. ولم يخدموها..أو يحافظوا عليها.. بل وجد من العرب من نادوا باستبدال الحروف العربية باللاتينية.. وكثير منهم بدل تفعيلها والعمل على إحضارها بكافة الصنوف المعرفية نظروا لغيرها باهتمام.. وعملوا على إشاعة لغات أدنى منها.. وزادوا بتقديمها.. والتباهي بها.. وبالتأكيد أن أمثال هؤلاء: يجهلون بأن الأمة التي لا تحترم لغتها مصيرها: التبعية إن لم يكن: التهميش والتجاهل.
لقد كان الهدف من تأسيس الأندية الأدبية: أن تكون رافداً ثقافياً مشاعاً يسهم بتغذية الوعي.. والنهوض بالإبداع.. وتشجيع ودعم المواهب. والأخذ بيد الشباب.. وعامة لا تحتكرها: تحب مهما بلغ شأنها.. وهذا ما يحاول تكريسه الذين شاركوا بوضع اللائحة الجديدة للأندية الأدبية.. فبحسب ما نشرته: صحيفة الوطن العدد 5612.. الصادر في 1 جمادي الأولى 1437هـ.. الموافق 10-2-2016م (.. كرست اللائحة المعدلة مفهوم: النادي الأدبي.. فلم تضف له كلمة « الثقافي»..) ومن المعلوم: أن الأدب يشتمل على الثقافة.. فالأدبيات حتى العلوم تدخل فيها.
وما يدعو للغرابة: اشتراط اللائحة أن يكون المؤهل العلمي للعضو العامل «يتصل باللغات وآدابها».. وهو شرط لا يخلو من الهوى.. فالتخصص في العلوم النظرية.. أو الإنسانية.. فبرغم أهمية التخصص فيها.. فليست بضرورة التخصص بالعلوم البحتية.. والهندسة والرياضيات.. والطب والصيدلة.. فالأدب: ذوق.. وموهبة وهواية.. ومن كبار الشعراء العرب كان مهندساً.. هو: كصاحب (الجندول) مثلاً.. وإبراهيم ناجي صاحب (الأطلال) كان طبيباً.. وأيضاً: يوسف إدريس كان طبيباً.. وعبدالسلام العجيلي.. ومصطفى محمود.. كما أن العطاء فكراً وإبداعاً لا يقتصر على حملة الشهادات العلمية رغم ضرورتها.. فالمطالعة.. والسؤال والاستفسار والمتابعة والتجربة: قد تتعدى - أحياناًً - الاختصاص.
لقد أدت الأندية الأدبية: ما عليها.. وحققت المطلوب منها.. وبتصوري لابد من البديل المناسب لمنظومة المستقبل الثقافية.. ولعل السبيل أن يمهد له في مجلس عام.. أو اتحاد للأدباء والكُتاب تمثل فيه كل منطقة بحسب حجمها من عضوين إلى أربعة.. وذلك عقب تكوين جمعية عمومية لكل منطقة تنتخب من بين أعضائها: ممثليها في المجلس.. أو الاتحاد.. والأعضاء المنتخبون فيهما يختارون منهم: الرئيس ونائبه.. والأمين العام.. وأمين الصندوق.. وأمين السر.. والمدير الإداري.
هذه الصيغة: كفيلة بقيام كيان أدبي جامع تذوب فيه المناطقية بالوطنية.. وفي الوقت نفسه: لا تمس الخصوصية المناطقية في الكيان الذي من خلاله: تُمثل كل المناطق.. ويصبح الطريق نحو عضويات المملكة بكل الاتحادات.. والمنظمات والكيانات.. والروابط والمؤتمرات.. والجمعيات الثقافية: الرسمية والأهلية.. والعربية والإسلامية.. والقارية والدولية.. يصبح الطريق نحوها: سالكاً.
أما الأندية الأدبية: فستبقى بالذاكرة قيمة ثقافية فاعلة في نشاطاتها.. وتأثيرها واكتشافاتها.. وافتتاحها: المسار الثقافي المدني.. والتمهيد لما هو اشتمل في الاتحاد.. أو المجلس.. والمراكز الثقافية الحكومية التي بات من الضروري: تأسيسها في كل ما تضمه: إمارة كل منطقة من محافظات.. وما يتبعها من مراكز. ومدن وبلدات.. وحتى القرى: تقام فيها مراكز ثقافية في مواصفات خاصة.. تتوافر بها: ملبيات الوعي.
كذلك خارج المملكة تقام: مراكز ثقافية سعودية في بعض العواصم.. والمدن المهمة في الدول الشقيقة والصديقة.. وذلك بهدف: إظهار حقيقة الأوضاع في المملكة..وإبرار شخصيتها الثقافية والحضارية من خلال: الكتب.. والمعروضات والمعالم.. والمحاضرات عن تاريخها وجغرافيتها.. وأنواع التعليم فيها.. وعلومها.. وآدابها وفنونها.. وأن تقيم هذه المراكز: الاحتفالات في المناسبات الوطنية.. ولقاءات مفتوحة.. وفي دعوات.