حمّاد السالمي
* إنها الطائف.. وهل سوى الطائف عاصمة للترفيه الذي كان ينبع من المجتمع السعودي وإلى المجتمع السعودي..؟.. وتتزعم الطائف المصيف والمتربع ألوانه وطرائقه..؟ إلى أن حل بها مثل ما حل بغيرها من مدننا كافة؛ تلك (الصحوة التي اختطفت) البسمة من الشفاه، ومسحوا الفرحة من الوجوه، وغيبوا الترفيه من حياة الناس في مدنهم وقراهم، ليحلوا محل كل ذلك؛ الشك، والخوف، والعبوس، والتوحش.
* بكثير من الفرح والاستبشار؛ تابعت من بعيد؛ فعاليات (مهرجان الورد الطائفي) لهذا الموسم، فإذا هو مختلف جدًا، وإذا المكان والإنسان والزمان؛ الكل هنا يصنع النجاح الباهر، وإذا أكثر من مليون ونصف زائر من مختلف المناطق في عشرة أيام؛ يفتحون بوابة جديدة للأمل، ونافذة جديدة للفرح، وعودة الوهج الطائفي المعهود في مثل هذه المناسبات التي كانت تشهدها الطائف في أعيادها، وفي احتفالاتها، وفي مناسبات وطنية وسياحية لا تنقطع طيلة العام الواحد.
* كانت الطائف في زمن ما قبل (الصحوة)؛ تستقبل اليوم الوطني بفرح كبير، وتحيي ليالي رمضان في سرور، وتعيش أيام الأعياد في حبور، وتستقبل الملوك والمصطافين والضيوف، بكل ما تملك من ثراء فني وطربي وشعبي ليس له نظير في أي مكان آخر. كان المجرور، وكانت العرضة، وحيوما، ويله يله، والمجالسي، والحدري، والزهم، والمزمار، وألوان شعبية فنية أخرى، تربط المدينة بالقرية، وتجمع بين شماريخ الجبال والأودية الخُضر. وكانت بساتين المثناة وشبرا والعقيق وشهار وخلافها، موعدًا للقاء عمالقة الفن الطربي الأصيل، الذين عرفتهم المملكة طيلة عقود مضت، حتى أن من أراد وقتها أن يظهر ويشتهر من فناني نجد والشرقية ومكة وجدة؛ يصيف بالطائف، ليظهر على مسارحها المفتوحة في الهواء الطلق، وسط جماهير تملك الحس الفني، وتقدر أصحابه.
* كان هنا من فناني الطائف الذين عاشوا فيه وبرزوا منه: طارق عبدالحكيم، وطلال مداح، ومحمد عبده، وعبدالله محمد، وسمير الشامي، ومحمد السراج، وعلي شيخ، وعبدالله مرشدي، وأسعد حربي، ومسفر القثامي، وعبدالله رشاد، وحسن إسكندراني، وتوحة، وابتسام لطفي.. وغيرهم كثير -رحم الله من غادر دنيانا هذه، وحفظ الباقين منهم- كانوا شموعًا تضيء سماء المصيف، وصوتًا للمحبة والفرح في عموم الأحياء والقرى حول الطائف، فأين ذاك العهد منا اليوم..؟ وأين نحن من ذاك الزمن الجميل الذي كان..؟.
* ساعدت مقاطع الفنون الشعبية التي تحلق حولها آلاف الناس في حدائق الردف ضمن برنامج (مهرجان الورد الطائفي)؛ والتي طارت بها (وسائل التفاصل الاجتماعي) في كل مكان.. ساعدت على جذب الانتباه أكثر لهكذا نشاط ترفيهي مصاحب لموسم قطف وتقطير الورد، وفي هذا دلالة واضحة على حب الناس لموروثهم الشعبي، وتشوقهم لفنونهم وحياتهم التي كانت بعيدة عن الرتابة والملل. إن ما اشتمل عليه برنامج المهرجان من فعاليات وخاصة الشعبي منها؛ هو شكل من أشكال الترفيه الذي فقدناه، ونحتاج إلى عودته، واستئناس ما ظلّ أعداء الترفيه يعملون على توحيشه في ذهنيات الناس على مدى أربعة عقود.
* حضرت الفنون الشعبية والرسم، وغاب عن مسرح المهرجان الوردي؛ الفن الطربي الذي تنفذه (الهيئة العامة للترفيه) في جدة والرياض، في حين أن الطائف هي عاصمة هذا الفن، ومنجبة أهله ومريديه، وتاريخها الطويل في هذا الميدان؛ زاخر بأعمال غنائية وطربية ما زالت تتسيد المشهد حتى اليوم، وحافل بأسماء لامعة لا يزاحمها مزاحم، ولها الريادة المسرحية في المحافل المحلية والإقليمية والدولية. والطائف التي تنتظر حظها وحقها من برامج الترفيه، لا يمكن أن تكون قد أجدبت طربيًا ومسرحيًا، فهناك الكثير من الشباب الواعدين الذين ينتظرون الفرصة للظهور في مثل هذه المهرجانات والمناسبات، ويبقى الدور على المنظمين والمؤسسات المعنية؛ لمساعدتهم، وتشجيعهم، وإعادة أمجاد الطائف التي كانت في هذا المضمار.
* إلى أن تلتفت (الهيئة العامة للترفيه) للطائف كعاصمة للترفيه والسياحة؛ فإن المؤمل في محافظة الطائف، وفي مجلس التنمية الذي نظم وأدار مهرجان الورد الطائفي بنجاح؛ أن تنتهز الفرص لتنظيم المزيد من المهرجانات الفنية والثقافية والزراعية والتاريخية والتراثية على مدار العام. أقترح استقبال الصيف بعد شهر رمضان المبارك؛ بمهرجان مخصص للفنون الشعبية، وآخر لفواكه الطائف التي تتميز بها عن سواها، وآخر عن الطرب الطائفي الأصيل، ومهرجان عن المسرح، وغيره عن الملابس الشعبية والتراثية، ولا ننسى آثار الطائف ومعالمها التاريخية التي تحتاج إلى لفت أنظار وعناية.
* شكرًا للطائف المأنوس.. مكان مدهش؛ يملك الريادة، وبيده عناصر الجذب والإلهام على التراب الوطني الجميل.