د.ثريا العريض
في الساحة الإعلامية داخلياً وخارجياً تتكاثر التساؤلات المحرجة حول أوضاع المرأة «السعودية»: هل هروب الفتيات حالات فردية شاذة؟ أم ظاهرة تتنامى؟ هل هي حالات تعنيف؟ أم عقوق؟ هل معاملة نساء الأسرة شأن عائلي خاص؟ أم معاناة مواطنات يغمطهن حقوقهن المشروعة أقارب مستبدون؟.
قضايا المرأة ليست حصرية في المجتمع السعودي أو العربي أو المسلم, ولكنها في المجتمعات المتقدمة غيرها في المجتمعات النامية, حيث في الأولى يبحثون الآن ظواهر السقف الزجاجي للترقية ومساواة الأجور وردم فجوة الجندرية في التعامل والتقييم, بينما تظل في المجتمعات التقليدية تراوح حول من له حق منحها الاعتراف بأنها كيان منفصل, ولها حق الوجود والتفاعل غير المرتبط بالفروق الجسدية.
نعم لابد أن نعترف أن هناك أقارب ذكوراً مستبدين يجيرون تفسيرات تعاليم ولاية الأمر وأعرافا قبلية لصالحهم ماديا ومعنويا. وفي طقس التقبل العام للأعراف نرى الضحية بالدرجة الأولى هن النساء القريبات المتضررات.. وفي الدرجة الثانية سمعة الدين والمجتمع والوطن.
ولا نبسط الأمر عند هذا المستوى فقط؛ هناك التنميط والأحكام المسبقة والأجندات الخفية عند كل الجهات والأطراف المعنية, داخليا وخارجيا, حين تعطي نفسها حق التصنيف وإلقاء الأحكام.
البعض تحرك أفعالهم رغبة البروز الإعلامي, ولكن الواعين والواعيات منا لا يطالبون بالتغيير تمشيا مع سائد الخارج, أو إرضاء لضغوط جهات خارجية لها أجنداتها حتى لو قدمت نفسها تحت مظلة حقوق الإنسان أو الرغبة في تطوير المجتمع. المطلوب هو التطور البنّاء بمواصفات نضعها نحن لمصلحتنا, لأن ذلك في صالحنا الآن.. ومستقبلاً.
أضواء الإعلام الخارجي تركز على أوضاع المرأة وحقوقها, وتهمّش وتشكّك في كل إنجاز إيجابي يتحقق؛ فما حاورني صحفي أو صحفية, من الغرب أو الشرق, إلا وتركزت الأسئلة على هذا الجانب, وتفاصيل لماذا تمنع المرأة الراشدة البالغة من حق اتخاذ قرارات حياتها الخاصة بنفسها, كمواصلة تعليمها أو الابتعاث أو العمل أو اختيار شريك حياتها دون حاجة لموافقة قريب ذكر يتولى الإذن بذلك أو يمنعه, بغض النظر عما تراه هي؟. أما داخليا فقد انقسمت الساحة العامة إلى تضارب موقفين؛ متشدد يطالب بالتمسك بأوضاع تبعية المرأة متظللاً بتبريرات متعددة ليدعم مرئياته, مجيراً تفسير تعاليم الدين, أو مظهراً التخوف على استقرار المجتمع وأواصر الأسرة. أو في الجانب الثاني رافض لهذه الأوضاع, مطالب بمواكبة العالم وتمكين المرأة من القيام بدورها كإنسان, راشدة قادرة على اتخاذ القرار الذي تختاره لنفسها.
الحمد لله أننا في مستوى صنع القرار بدأنا نرى اعتماد موقف أن قضايا المرأة قضايا مرتبطة بوعي المجتمع, لا بتجريم وتأثيم فئوي. ويطمئننا فعلا أن الموقف الرسمي, وتغيير تعاملات المجتمع يتم بهدوء وثقة وحزم, دون الانزلاق إلى الصخب الإعلامي الذي اعتدناه يصب وقوداً على شرارة الجدل فتتحول بريح الإثارة إلى نارٍ ترمّد أي مبادرة للتحكم في وجهة البناء المستقبلي. وبهذا القول والفعل الفصل هو للقرار الأعلى حسب رؤية تسعى لبناء وطن مستدام النمو بقوى كل بنيه وبناته خارج صخب الأجندات الخفية.