د. ناهد باشطح
فاصلة:
(يمكننا أن نعرف طبيعة الفن الجوهرية من تجلياته الباكرة عند الإنسان البدائي وعند الطفل، فالإنسان البدائي والطفل لا يفرقان بين الواقعي واللاواقعي، فالفن عند هؤلاء ليس خالياً من الغرض وليس أمراً عرضياً على كل حال).
-هربرت ريد-
قبل ثمانين عاماً ألفّ «هربرت ريد» كتابه «معنى الفن» وكان يرى أن الفن (همزة وصل بين الفنان والناس)؛ وأن الفنان الجيد مهمته إظهار الحق والخير والجمال، وأن الإنسان، كلما مارس الفنون وزادت ثقافته فيها واكتسب أهدافها، اتسعت دائرة إدراكه، فالفن يشكّل أحاسيس الناس ويبني داخلهم الحقائق.
تذكرت ذلك وأنا أرى وأسمع وأشاهد الجمهور الكثيف الذي حضر حفل الأوركسترا اليابانية والتي كانت تعزف في مركز الملك فهد الثقافي ولأول مرة في الشرق الأوسط. كانت الفرقة المكونة من 85 فردًا سعيدة باحتفاء الجمهور الغفير وراق ذائقته.
هذا الحفل هو ضمن فعاليات اسبوع ثقافي ياباني، يتضمن أيضاً معرضاً ثقافياً وعرضاً للتراث الشعبي الياباني، وفنوناً للخط، وجملة من أفلام الرسوم المتحركة والأفلام الدرامية اليابانية.
الأوركسترا التي تقام عادة في المسارح الأوروبية وتضم مجموعة كبيرة من العازفين لمختلف الآلات الموسيقية بشتى أنواعها، ومجموعة من المغنين الداعمين للموسيقى حضرت في الرياض هذه المدينة التي يصفونها بالجفاف!!.. قد ينظر البعض إلى أن هذا موضوع لا يستدعي الاهتمام لكني أراه من زاوية أخرى.
لقد تساءلت ماذا ستقول الصحافة الغربية عن حفل الأوركسترا اليابانية؟.. ماذا ستقول عن مسرح امتلأ وجمهور حضاري التزم بأرقى السلوكيات ليستمع إلى العزف الموسيقى وصوت الكورال؟. أرى أن ما فعله الجمهور السعودي الكثيف من التزام بالحضور والاستماع وتحية العازفين هو بمثابة رسالة إعلامية قوية تساهم في تعديل الصورة النمطية عن الفرد السعودي إلى واقعه مما يكون الرأي العام عنا ويشكل السلوك الإيجابي تجاهنا كشعب.
لا سيما أن الصورة الذهنية السلبية عنا تراكمت عبر سنين طويلة ولم يقابلها أي أدوات إعلامية تشكل الصورة الصحيحة ولا توجد لدينا حتى دراسات علمية عن شخصية الفرد السعودي!!.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ازدادت ملامح تلك الصورة قسوة بالعنف والإرهاب الذي صار يلوح به الغرب ليسيئ إلى هذه الصورة وبالتالي فإن هذه الصورة السلبية بالطبع تؤثر على تعاملنا مع الشعوب على كافات المستويات الاقتصادية والثقافية والسياسية.
شكراً للجمهور الذي استطاع أن يؤكد لليابانيين ولبعضنا أنه متذوق للفن.. وأننا حين نكون كما نحن كما فطرتنا التي خلقها الله محبة للجمال فهو ما يزرع في نفوسنا الأمل في الغد.
ولا عزاء لكل من يحاول أن يشوش الرأي العام بمقالات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد حفل الأوركسترا وسواه من فعاليات فنية جمالية.
لم يحضر الفن وحده تلك الليلة، بل حضر الإنسان السعودي المتعطش للفنون وهو الإنسان الذي لا يمكن أن يجد العنف مساحة له في عالمه.