محمد الكثيري
بعيداً عن رؤية المملكة 2030، وما أثير حولها من نقاش وجدال لم يهدأ بعد، أظن أن هناك أمراً يستحق الوقوف والتأمل، بل والمراجعة والاهتمام سواء اتفقنا أم اختلفنا مع الرؤية ومضامينها.
وهذا الأمر يختص بأهمية التأكد من أن ما وضع من برامج ومبادرات، وقبل ذلك، بل وأهم منه، التأكد من أن ما تم من إعادة تقويم للأجهزة الحكومية، وتحديد لأدوارها، وما نتج عنه من دمج أو إلغاء أو إحداث لبعض الأجهزة، هو الأمر الصحيح والمطلوب لتحقيق أهداف الرؤية ومتطلباتها.
إن المتأمل في هذه الجزئية الأخيرة والمتعلقة بما يمكن أن يطلق عليه هيكلة الأجهزة الحكومية يجد نفسه مضطراً للوقوف عند بعض القرارات التي تم اتخاذها والمتعلقة تحديدًا بدمج عدد من الوزارات.
وللتذكير فإن واحداً من الأمور التي تكررت كثيراً في رؤية المملكة 2030، بل وأعظم الموضوعات تعقيداً، وأكثرها نقاشاً وخلافاً واختلافاً بين شرائح المجتمع، هو ذلك الأمر المتعلق بالدعم والإعانات التي تقدم إلى فئات معينة من المجتمع، وكيفية ضمان أن ما اتخذ من قرارات لن يؤثر كثيراً على تلك الفئات وسيحفظ تماسك المجتمع ويحافظ على مكوناته، وهو أمر كان واضحاً حينما تم تغيير مسمى وزارة الشؤون الاجتماعية إلى مسماها قبل الدمج وهو وزارة التنمية الاجتماعية.
وهذا الاسم لا أظنه جاء هكذا عبثاً، وإنما إدراكاً بأهمية الدور التنموي الاجتماعي في هذه الفترة، وأن الوزارة يجب أن يكون لها دور في البناء الاجتماعي متجاوزاً بذلك دورها التقليدي المتمثل في الصرف على المواطنين المحتاجين.
هذا التوجه الواضح في رؤية المملكة 2030، وهو توجه سليم ومحمود، كان بحاجة إلى جهاز قوي وفاعل قادر على ترجمته على أرض الواقع، إلا أن ما حدث هو العكس، حيث دمجت وزارة التنمية الاجتماعية مع وزارة العمل وكل منهما لديه من الأعمال والهموم والمسؤوليات ما الله به عليم.
في الوقت نفسه كان هناك نقد واضح في الرؤية لكفاءة الموظف السعودي وإنتاجيته؛ سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، وإن كان النقد لموظف القطاع العام كان أكثر وضوحاً ومباشرة.
ركزت الرؤية هنا على أهمية الاهتمام والالتفات لهذا الجانب وإيجاد البرامج الكفيلة لتحسين كفاءة العامل والرفع من مستواه، كذلك كان هناك توجه للمقارنة بين بيئة العمل في القطاعين العام والخاص، وذلك للحد من الإقبال والتزاحم على الوظائف الحكومية.
كل هذه مرتكزات واضحة في الرؤية وتكررت وما زالت تتكرر، مما يعني أهميتها والقناعة بها، ولكن هل دمج وزارة التنمية الاجتماعية مع وزارة العمل كفيل بتحقيق هذه التوجهات، وكل منهما لديه ما لديه؟ أم أن وزارة التنمية الاجتماعية بحاجة إلى أن تبقى جهازاً مستقلاً ومدعوماً مادياً وبشرياً وبقوة كي يستطيع القيام بما هو مطلوب منه حالياً ومستقبلياً؟
الإجابة من وجهة نظري وحسب التوجه الاستراتيجي الوارد في الرؤية نعم، فنحن وفي هذه المرحلة وتحديداً بعد صدور ميزانية 2017 ووضوح الكثير من التوجهات بحاجة إلى أن تبقى وزارة التنمية الاجتماعية مستقلة وإلا عدمنا الوسيلة المناسبة والضرورية لتحقيق تطلعات الرؤية وأهدافها.
الأمر نفسه ينسحب على ما ذكرته مما ورد في الرؤية من اهتمام بالعامل السعودي وكفاءته والتقريب بين بيئتي العمل في القطاعين العام والخاص، إذا كان الأمر كذلك أليس الأولى دمج وزارة العمل مع الخدمة المدنية وليكن ذلك تحت مسمى أكثر شمولاً وانسجاماً مع مرتكزات الرؤية وأهدافها وليكن «وزارة التنمية الإدارية» وتحت هذا المسمى ستنعتق وزارة الخدمة المدنية من صورتها الذهنية التي ارتبطت بها مذ كانت تحت مسمى ديوان الخدمة المدنية، وكأنها، للأسف الشديد، محصورة في تطبيق أنظمة الخدمة المدنية وحراستها، بعيداً عن دورها في التنمية الإدارية وتطوير الأجهزة الحكومية وكفاءة وقدرات موظفيها. إن دمج وزارتي العمل والخدمة المدنية واستقلالية وزارة التنمية الاجتماعية سيكون أكثر انسجاماً مع رؤية المملكة 2030، وهذا فيما لو تم سيمكن الوزارتين من توحيد جهودهما وتعظيم الاستفادة من الأجهزة التابعة لهما، ومن ذلك على سبيل المثال الأموال والإمكانات المتوافرة لصندوق الموارد البشرية والفكر والقدرات البحثية والعلمية المتوافرة في معهد الإدارة العامة، وفي الوقت نفسه سيوجد لدينا جهازا مستقلا مهتما بشؤون التنمية الاجتماعية وبرامجها ومشروعاتها بما يخدم المواطن ويحفظ التوازن بين طبقات المجتمع، وبالتالي تماسكه وانسجامه وهو أمر تزداد أهميته يوما بعد يوم، وبالذات مع إعلان برامج الرؤية ومبادراتها، وكذلك إعلان ميزانية 2017. وسؤال ضرورة انسجام الهياكل الحكومية مع الرؤية يبقى مطروحا أيضا عند الحديث عن كل من الصناعة والتعليم وقدرتهما على تحقيق تطلعات الرؤية وأهدافها، وهذا موضوع يحتاج إلى مقال مستقل.