د. حسن بن فهد الهويمل
من المصطلحات التي يَسُكُّها المناوئون لقصد التشويه، وإلصاق أبشع التهم، كلمة ( الوهابية) - على سبيل المثال - فهي ليست مصطلحاً مشروعاً، وما من أحد من أبناء المملكة يتداوله.
فـ ( ابن عبد الوهاب) - رحمه الله - لم يأت بمذهب جديد, له حدود، وأبعاد, ومقتضيات تخالف ما سلف.
إنه عالم : دعوي, مجدد، استحضر أقوال علماء السلف، وأعادها كما هي للمشهد الأمي, المتخلف، المتناحر على الموارد، والمراعي.
ومن ثم ليست له مفردات، ولا مختارات. وأعداؤه, وخصومه هم خصوم سلف الأمة، وأعداؤها.
ومجال دعوته مرتبط بكتب السلف، وكل أحكامه إن هي إلا أحكام سابقة، ودوره في استدعائها, وإشاعتها.
ومُجَدِّدٌ تلك صفته لا يحق له, ولا لأحد من مجايليه أن يمنح نفسه استقلالية المذهب. وما على أي مناوئ متردد، إلا أن يلتمس في كتبه ما يخالف أقوال علماء السلف. والعدل في الحكم على الآخر أن يُقْرأ المخالف، لا أن يقرأ عنه.
هذا المصطلح التنفيري من المفتريات, التي وسَّعت هوّة الخلاف، وزيّفت وعي الأمة، وفرّقت كلمتها. حتى ما دون الخصوم الألداء كـ ( المتصوفة) و( الأحناف) تلقوا هذه الفرية بالقبول، وعملوا على إشاعتها، لمجرد اختلاف (السلفية) معهم في بعض ما يذهبون إليه. وهو اختلاف تنوع، لا يفت في عضد الأمة.
والمثير للانتباه أن هذا المصطلح الزائف, أصبح متداولاً, ومُسَيَّساً, ومُحَمَّلاً من الأوزار ما لا يحتمل. وما من مُتَداول يستطيع استحضار الجمع, والمنع لهذا المصطلح, بوصفهما السمة الأهم لمشروعية أي مصطلح.
ومثلما تُقرأ الأحداث الجسام بطرق مزعجة, وغرائبية، تُقرأ المصطلحات على مختلف مستوياتها.
والمفتريات حين يتناقلها البُلْه المغفلون, تشكل مهاداً غير سليم لتفاعل تلك الأحداث. ويكون مَرْدُودُها عكسياً، ومحبطاً لكل المتفائلين.
وجَلَدُ الفجرة, الكفرة يفوق غَفْلة المؤمنين الآمنين, وصوتهم يرتفع فوق صوت الحق :- (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ).
وكم من عقول حصيفة, لا يتوقع مرور التفاهات من بين أيديها, طُمِست حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، على حد :- (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا).
والمفترون, المُصِرُّون على الأحناث العظام, يمثلون دور الشاعر ( عمرو المذحجي) الذي يقول:-
( أُثَبِّتُ بَاطِلِي فَيَكونُ حَقاً
وحَقاً غَيْرَ ذِي شُبهٍ لويت)
وإذا فزع عن تلك العقول، أخذها العجب من مرور تلك المفتريات, ونفاذها دون مساءلة، أو مراجعة. إنه قضاء الله, ولا راد لقضائه. ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)
وبقدر ما سُكَّت المصطلحات المغرضة, حُرِّفت مفاهيم بعض المصطلحات الأكثر ثبوتاً, ومفهومية. وكان الواجب تصحيح المفاهيم، لا نسف المصطلحات.
ولو أن كل مصطلح حُرِّفَتْ مفاهيمه على يد السفهاء, ساغ نسفه, لما بقي على ظهر المشاهد من مصطلح.
فـ( الجهاد) - على سبيل المثال - مصطلح إسلامي لا غبار على مشروعيته.
لقد تلقاه المارقون من الدين مروق السهم من الرمية, واتخذوه ذريعة لقتل المعصومين، والمعاهدين، وشوهوا بمقترفاتهم مصطلحات الإسلام المهمة.
إنّ على المرابطين على ثغور (الفكر الإسلامي) التصدي المعرفي لمن ساوره الشك في مثل هذه المصطلحات. لأنّ إعادة الثقة بالإسلام من أولويات المسؤوليات. فالفكر العالمي قد لا يتجاوز المتداول الإعلامي إلى التأصيل المعرفي.
وإذ أُجْهِدت (الأمة الوسط) من فهم المصطلحات المسيَّسة على غير مقتضياتها، وضوابطها، فقد كانت أشد إجهاداً حين فُهِمت سائر المصطلحات على غير مراد المشرع.
حتى لقد ضاق الفارغون من تلك المصطلحات، وظنوا بالله الظنونا، ومشاهدنا مترعة بمصطلحي ( الكفر). و(التكفير) وهما مصطلحان، واضحان, لا يضيق بهما إلا جاهل.
فـ( الكفر) لا يُشَرْعِنُ ( الجهاد) ووجوده لا يحول دون التعايش, والبر، والاقساط، وإبلاغ المأمن، والحب الجِبِلِّي، إلى حَدِّ التزاوج.
فالكافر الفرد، والأمة الكافرة, لا تواجه, حتى تُقْدِم على قتال المسلمين في الدين، أو تظاهر عليهم في الدين. والعهود, والمواثيق لا تخول الدولة المسلمة فضلاً عن الجماعات، والأفراد ممارسة أي اعتداء، بل تخولها تبادل المنافع, والخبرات.
ومن تذرع باعتدائه الآثم على مصطلحي ( الجهاد), و( الكفر) فقد عصى أبا القاسم. وشرع في الدين ما لم يأذن به الله، كما أن (تكفير المعين) لا يتم إلا بضوابط.
ومع قيامه لا يجوز اتخاذ أي موقف لم يأذن به ولي الأمر. فالجهاد، وأي لون من المواجهة, مرتبط بولي الأمر، ومن معه من أهل الحل، والعقد.
بهذا نستطيع أن نُحَسِّن صورة الإسلام، ونمنح مصطلحاته أهلية البقاء, والنفاذ.
و( الجهاد) بالقول, كـ(الجهاد) بالسيف. والله حث رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجاهد الكفار بالقرآن الكريم, وبأدلته، وحججه الدامغة (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا).
ووهن الأمة، وضياعها، وذهاب ريحها لا يرفعه السيف وحده, ولا يجلوه القتل. الأمة بحاجة إلى تصحيح المفاهيم, وتحرير المسائل, وتأصيل المعارف, وحفظ الإسلام, ومصطلحاته من الجهلة، والمبطلين، والغالين, وإعداد القوة : الحسية, والمعنوية.
وهذا الداء العضال, الثالوث الخطير : (الجهل), و(الغلو)، و(الباطل). حين يتلقاه ثالوث أخطر: المنافقون، ومرضى القلوب, والمرجفون، يصبح الإسلام نهباً للأعداء, والأذناب. ويعود كما بدأ في شعاب مكة.