جاسر عبدالعزيز الجاسر
تسود حالةٌ من التوجس والقلق أوساطَ مراكز ومعاهد الدراسات الإستراتيجية، بعدما رصدوا ارتفاع حدة لغة الصدام بين القوى الدولية الكبرى، والدول الأخرى السائرة في أفلاكها، إذ بدأت كلٌّ من واشنطن وموسكو تستعيدان اللغة التصادمية بينهما، والتي كانت سائدة إبان الحرب الباردة بين القوتين العظميين، والتي اختفت باختفاء الاتحاد السوفياتي. إلاَّ أنَّ هذه اللغة بدأت تعود لمسرح تصريحات كبار المسؤولين في البلدين، وانتقلت إلى مسؤولي دول ترتبط بإحدى القوتين إما بالتحالف أو بالتبعية، فبعد تنابز واشنطن وموسكو وتفاخرهما في تصنيع كل منهما لأكبر قنبلة غير نووية، والتي كشف عنها الأمريكيون بإلقائها على أحد أهداف داعش في أفغانستان وأسموها بـ»أم القنابل»، والتي تدمر مساحة محيطها مئة متر، عرض الروس لقنبلة وإن ظهرت أصغر حجماً من قنبلة الأمريكيين، إلا أنها تدمر مساحة محيطها ثلاثمئة متر، وزيادة في إظهار تفوقهم على الأمريكيين أطلقوا على قنبلتهم «أبو كل القنابل». وهكذا أطلق الروس والأمريكيون سباق التسلح عبر «أم القنابل» و»أبو القنابل». أما التابع الكوري الشمالي والذي يواصل تمرده ونزق رئيسه «كيم جونغ أون» الذي هدد بخوض حرب نووية ضد الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما فكرت في حالة أي «اعتداء» أو إعلان حرب ضد بلاده. ولكي يثبت الكوريون الشماليون ادعاءاتهم بالقدرة النووية على مواجهة أمريكا نظموا عرضاً عسكرياً عرضوا فيه أكثر من صاروخ من طراز «بوكوك سونغ»، من بينها صواريخ جديدة أبعد مدىً من الصواريخ التي كانت تمتلكها كوريا الشمالية.
هذه الصواريخ خضعت صورها إلى بحث وتدقيق من قبل «الأشقاء الأعداء» الكوريين الجنوبيين الذين وإن كانوا يرون أن هذه الصواريخ مخصصة للإطلاق على البر الأمريكي إلا أن الكوريين الجنوبيين هم عيون أمريكا حليفتهم التي حمتهم كثيراً من «الأشقاء الأعداء» منذ أيام جد الرئيس النزق الحالي «كيم آيل سونغ»، وهؤلاء الكوريون الجنوبيون يرون أن هناك تطوراً ما حققه أشقاؤهم الأعداء الكوريون الشماليون في مجال الصواريخ البعيدة المدى والتي تُطلق من الغواصات، ويعتقد هؤلاء الخبراء رغم تشككهم في إنجاز أشقائهم، إلا أنهم لا يستبعدون أنهم أنجزوا شيئاً ما بعد تحليلهم للغة الجسد وتصرفات «كيم جونغ أون» الرئيس الكوري الشمالي الذي بدت مشاعر الارتباح واضحة على محياه، وظهر على غير العادة يمازح مستشاريه ويتبادل الضحك معهم، وبعد تحليلهم لكل ذلك وجدوا أن تلك الضحكات وجو المرح غير المصطنع أنه فعلاً مسرور بعد أن أنجزوا شيئاً ما.
والسؤال الذي يطرحه الخبراء الأمريكيون وحلفاؤهم الكوريون الجنوبيون هو «هل أصبح بإمكان الكوريين الشماليين إيصال صواريخهم إلى البر الأمريكي؟»
بعض الخبراء والمسؤولين يشككون من تحقيق الكوريين الشماليين هذا الهدف، إلا أنهم يعملون بإلحاح للوصول إلى هذه النتيجة التي قد تدفع الأمريكيين إلى القيام بعملية «قيصرية» لإفشال وإسقاط ولادة صاروخ نووي كوري شمالي قادر على الوصول إلى البر الأمريكي، وهو ما يزيد من حالة القلق التي تسود أجواء المعاهد والمركز الإستراتيجية بأن تؤدي حرب التصريحات وعودة الحرب الباردة إلى اندلاع حرب نووية، خصوصاً مع وجود قادة أقل التزاماً بالحكمة وضبط النفس.