د. ناهد باشطح

فاصلة:

((التعب هو هلاك الجسد، والقلق هو منجل الروح))

-حكمة عربية-

رغم أني أعرف أن «الواتساب» له تأثير سلبي على الإبداع ومهارات التفكير، وأن شبكات التواصل ترفع من معدل التوتر والإجهاد وتسبب فقدان الوقت والتركيز إلا أنني لم أتوقع أن أختبر ذلك بنفسي.

بدأت ألاحظ نسياني لأمور عدة، واستغراقي وقتاً أطول عندما أكتب مقالتي أو أؤدي أي عمل يعتمد على قدراتي الذهنية، وأزعجتني آلام الرقبة والكتف والتوتر في التعاطي مع مسؤولياتي الأسرية.

وتساءلت ما الذي يحدث لي؟

لم أخبر مثل هذا الوضع المقلق حتى وقت دراستي للدكتوراه في الخارج رغم أني كنت طالبة وملتزمة بعملين أحدهما ثلاث مقالات في الأسبوع.

وأخيرًا اكتشفت السبب، هو إدمان مجموعات الواتس أب، وقد صرت أنظر إلى شاشة المحمول كالمتوتر الذي ينظر إلى ساعته مرارًا وحين تسأله عن الوقت يكتشف أنه لم يركز ولا يعرف.

نعم فقد كان عبئاً على عقلي ونفسيتي استقبال مئات الرسائل والأخبار والمعلومات على مدار الساعة، خاصة أن هذه الرسائل لا تحمل رسائل واضحة فقط بل رسائل ضمنية وهي الأخطر. هذا غير عشرات الرسائل التي ترسل «برودكاست» دون هدف.

مر أكثر من شهور وأنا أفكر في قرار ينتصر لذاتي، وكل يوم يزداد نشاط برنامج الواتس أب وكل يوم أركز أكثر على التشويش الذي ينجح فيه هذا البرنامج تجاه التعليق على أخبارنا وقضايانا.

والأخطر أن بعض النقاشات قد تدفعك لإدانة الآخرين وفي هذا ابتعاد عن تعزيز السلام الداخلي لنفسك.

ولأني أؤمن بأنه لا شيء يحدث صدفة وأن خالق الكون معنا يدبر أمورنا كنت أقرأ جيدًا بعض الرسائل التي كان آخرها إهداء ابنتي ذكرى لي كتاب «ماذا لو كانت هذه هي الجنة» وهو مترجم لامرأة انتصرت على مرض السرطان بينما قالوا لها إنها في الساعات الأخيرة ما قبل الموت كتابها عن الخرافات التي تمنعنا أن نعيش حياتنا بهدوء بعيدًا عن أي من أنواع الضجيج كانت الرسالة الأقوى وعلى رأس قائمة الضجيج ليس استقبالي لرسائل إعلامية ضمنية لا تناسبني بل اضطراري لئلا أكون نفسي في العملية الاتصالية فأجامل أو أنسحب.

وتساءلت كان ما جدوى الاشتراك في مجموعات تحقق ميزات قليلة مقابل أضرارها على المستوى النفسي وإهدارها للوقت.

ما نفع مجموعات أنت لا تؤمن بشروطها ولا تعرف جميع من يشترك بها؟ ومع ذلك فأنت تعلن عن أفكارك وبعض خصوصياتك؟ لذلك قررت الابتعاد عن المجموعات غير المتخصصة كما قرر البعض قبلي وكما سيقرر بعدي أيضاً من استطاع أن ينتصر لذاته فيحميها من التعب.