إبراهيم عبدالله العمار
إشارة إلى العنوان، هل كنت تعرف هذا من قبل؟ كما يفيدنا كتاب «المياه الضحلة» للكاتب نيكولاس كار فإن عشرات الدراسات من علماء النفس والمخ وخبراء التعليم ومصممي مواقع الإنترنت كلها تؤدي لنفس النتيجة: عندما نستخدم الإنترنت فإننا ندخل بيئة تشجع القراءة الخاطفة والتفكير المشتت والتعليم السطحي.
نعم، يمكن التفكير بعمق أثناء تصفح الإنترنت، كما هو ممكن التفكير السطحي عند قراءة كتاب، لكنه نادر، وهو ليس التفكير الذي تشجعه التقنية. تبدأ المشكلة أننا نميل لاستخدام الإنترنت بكثرة (بل بهوس!)، وهي تقدّم التحفيزات العقلية والشعورية التي تتميز أنها تفاعلية وإدمانية ومتكررة ومكثفة، وأظهر العلم أنها تغيّر دوائر المخ ووظائفه بسرعة وقوة. باستثناء أبجدية اللغات ونظام الأرقام فالإنترنت أقوى تقنية مغيّرة للمخ ظهرت حتى الآن. خلال اليوم فإن أكثرنا ممن لديه إنترنت يقضي ما لا يقل عن ساعتين - وغالباً أكثر - عليها. في هذا الوقت نكرر نفس الحركات: نضغط أزرار لوحة المفاتيح، نحرك الفأرة ونضغط زرها الأيمن والأيسر وندير عجلتها، نكتب بالإبهام الرسائل النصية، نغيّر وضعية الجوال بين الأفقية والعمودية ... إلخ. بينما نفعل هذه الحركات فإن الإنترنت تقدّم تياراً مستمراً من المُدخَلات إلى فصوص المخ المتعلّقة بالبصر واللمس والسمع. مثلاً هناك الأحاسيس التي تأتي من خلال أيدينا (ضغط زر، لمس شاشة)، هناك الإشارات الصوتية التي تأتي لآذاننا (وصول إيميل أو رسالة محادثة أو رنة جوال)، وهناك الإشارات البصرية، ليس فقط النص والصور والفيديو لكن أيضاً الروابط التي تظهر بين الأزرق والبنفسجي (حسب ضغطك عليها)، مؤشر الفأرة الذي يغيّر شكله حسب وظيفته، عنوان الإيميل الجديد المظلل بالبنط العريض، الأيقونات وأشياء أخرى تستجديك أن تضغطها وتسحبها، نماذج تملأها، نوافذ تظهر وتغلقها أو تقرأها أو تتفاعل معها، الإنترنت تُشْغِل كل حواسنا (عدا التذوّق والشم..حتى الآن على الأقل!)، وتُشَغّلها كلها في نفس الوقت. الإنترنت أيضاً تقدّم نظاماً سريعاً لتقديم الردود والجوائز التي تُسمى في علم النفس التعزيز الإيجابي positive reinforcement، فهي تشجع تكرار التصرفات المادية وكذلك المعنوية، عندما نضغط على رابط نحصل على شيء جديد ننظر له ونقيّمه، عندما تستخدم غوغل تأتيك في لمحة عين قائمة معلومات شيّقة، عندما ترسل رسالة نصية أو رسالة محادثة أو إيميل تحصل على رد في دقائق أو ثوان، مع فيسبوك نجذب أصدقاء جدد أو نتواصل مع القدماء. أرسلت تغريدة؟ ريتويت ومتابعون جدد! كتبت تدوينة؟ تعليقات وروابط من مدونين آخرين!
تفاعلية الإنترنت صحيح أنها تعطينا أدوات قوية جديدة لإيجاد المعلومات والتعبير عن أنفسنا والتحدث مع الآخرين لكنها في نفس الوقت تحولنا إلى فئران معمل تضغط الأذرع لتنال حبيبات صغيرة من «الطعام» الاجتماعي. الإنترنت أيضاً تمسك انتباهنا أقوى من التلفاز والمذياع والصحيفة. انظر إلى فتاة ترسل رسالة نصية لصديقاتها أو طالب جامعة ينظر لطلبات إضافة في فيسبوك أو رجل أعمال يقرأ بريده أو نفسك أنت عندما تكتب كلمات في غوغل وتبدأ في متابعة قائمة الروابط.. ماذا ترى؟
الذي تراه هو عقل يذوب في وسطٍ رقمي. عندما نكون على الإنترنت فغالباً نحن غافلون عن كل شيء يحدث حولنا. العالم الحقيقي ينحسر بينما تعالج عقولنا طوفان الإشارات الرقمية التي يصبّها علينا جهازنا، وتستمر عملية تسطيح عقلك.