عبدالوهاب الفايز
موافقة مجلس الشورى الأحد الماضي على فرض ضريبة سلع منتقاة استهلاكية وضارة، مثل منتجات التبغ والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة، كانت الحدث المبهج للعاملين في القطاع الصحي الذين يرون مرضاهم تتدهور حياتهم، بسبب الإفراط في الاستهلاك للأغذية الخاوية وبسبب إدمان الدخان، وهذه الخطوة تعني أيضا أننا نتجه للآليات والسياسات الاقتصادية السليمة لتوجيه وترشيد السلوك الاجتماعي والاقتصادي عبر العمل بـ(الضرائب الذكية) التي تعكس نضج السياسات الحكومية.
هذه الخطوة تتجه إليها الكثير من الدول مع ارتفاع مخاطر الأمراض المزمنة، الناتجة عن الإفراط في استهلاك الحلويات والنشويات والدهنيات، التي أنهكت الخدمات الصحية في العقدين الماضيين. الاستهلاك المفرط للأغذية والمشروبات السريعة في المملكة، ساهم في ارتفاع معدلات السمنة عند الأطفال التي تجاوزت الآن 50%، وهذه من الأرقام الصادمة لكل من يخاف على مستقبل الأمن والسلام الاجتماعي لبلادنا.
لقد كانت سياسات الدعم الحكومية (بالذات دعم السكر والدقيق الأبيض) وغياب الضرائب الذكية، عاملاً ساهم في تراجع الخدمات الصحية، فنمط الحياة والعادات الغذائية توسع خارطة الأمراض وتهيئ الفرصة لنمو الأمراض المزمنة. وإدخال ضريبة السلع المنتقاة لن يحد وحده من توسع مصادر الأمراض.
الآن، وضمن رؤية المملكة، يتصدر القطاع الصحي اهتمامات الحكومة. ولكن تطوير الخدمات الصحية لن يتحقق بدون (شراكة حقيقية) من القطاعات المصدرة والمنتجة للأمراض في مجتمعنا! وما نتطلع إليه من أهداف في العشر سنوات القادمة، ربما لن يتحقق بدون تحقيق هذه الشراكة، ولن نتمكن من إصلاح الخدمات الصحية.
الأرقام على المستوى الوطني صادمة، والمؤسف أن أغلبنا لا يعرف ماذا تعني لحياتنا ولجودة الحياة التي نتطلع إليها في المستقبل. الرقم الصادم الأبرز هو أن 75% من السكان لا يجرون الفحص الدوري في إطار الوقاية من الأمراض المزمنة، وبالتالي أصبح لدينا (5) خمسة ملايين مصاب بالأمراض المزمنة (القلب، السكري، الضغط)، وفِي عام 2030 يتوقع أن يرتفع العدد إلى 8 ملايين مصاب.
وهذا بدون شك يؤكد وجود خلل كبير في منظومة القطاع الصحي، ويؤكد فقدان الوعي في أساسيات الصحة العامة لدى أغلب الناس. هذا الخلل ترتب عليه تسبب الأمراض المزمنة بما يقارب 70% من الوفيات. وتصل الآن نسبة السمنة مع الأسف إلى 60%.
رفع كفاءة القطاع الصحي لن يتحقق في ظل غياب الشركاء الحقيقيين لوزارة الصحة مثل وزارة الداخلية (الدفاع المدني، المرور) وأيضا وزارة التعليم، وزارة البيئة، ووزارة البلديات.
إذا ظلت معدلات حوادث المرور والحوادث الناتجة عن إهمال متطلبات السلامة في المساكن والمشاريع والأسواق العامة، تتصاعد بدون تطبيق سياسات وطنية تتشدد في ضرورات واشتراطات السلامة. الحوادث وما يترتب عليها تتحمل وزرها الخدمات الصحية، وهذا من الأسباب الرئيسية لارتفاع تكلفة العلاج، وبالتالي الضغط على مواردنا المالية وعجزنا عن تحسين الخدمات ورفع جودتها.
أيضاً وزارة البيئة تحتاج المضي في تطوير التشريعات البيئية للحد من انتشار الأمراض والأوبئة وللحد من تدمير البيئة. أيضاً وزارة التعليم إذا قصرت في دورها التربوي الصحي ولم تعمل على تحويل البيئة التعليمية إلى أداة للتعليم والثقافة الصحية، وسمحت للمقاصف المدرسية أن تكون بوابة للأمراض، فإن الخدمات الصحية هي التي سوف تدفع الثمن.
النموذج الصحي الجديد الذي تعمل عليه وزارة الصحة لتقديم الرعاية والعلاج بطريقة فعالة، أي نظام صحي يبادر إلى التصدي للتحديات الكبرى في القطاع، هذا النموذج نجاحه يتطلب شراكة حقيقية من هذه الوزارات، حتى نحد من إنتاج وتصدير الأمراض.