م. خالد إبراهيم الحجي
المبادرة هي السبْق إلى اقتراح أمر أو تحقيقه، وعندما نقول في يده زمام المبادرة يعني أن الأمر مفوض إليه، وفي مقالنا هذا سنتطرق إلى نوعين من المبادرة. الأولى: المبادرة السياسية: هي التصريح السياسي الفاعل الذي يجعل الأطراف الأخرى تتفاعل معه بردود أفعال مختلفة. ويمكن أن ندرك ونقدر تأثير المبادرة على الصعيد الدولي من خلال تفاعل الأطراف الأخرى معها والآثار والنتائج المترتبة عليها؛ لذلك يجب أن تحرص الدول المؤثرة ذات الثقل السياسي على أن تكون ردود أفعالها على المبادرات السياسية الدولية والعسكرية في توقيت محسوب يجعلها في وضع مناسب يتيح لها تحقيق الخيارات النافعة المتفقة مع قيمها ومبادئها وأهدافها، وهو النهج الذي أخذت به المملكة العربية السعودية عندما رفضت الانسياق خلف المبادرات الدولية التي تنافي مصداقيتها أو تتعارض مع مبادئها مثل: قرار المملكة التاريخي الاعتذار عن قبول العضوية الغير دائمة في مجلس الأمن بسبب ازدواجية المعايير فيه بخصوص القضايا الإقليمية المختلفة، فأثار هذا الرفض ردود فعل دولية متباينة. الثانية: المبادرة العسكرية: من المعلوم أنه لا يمكن السيطرة الكاملة على كل شيء يحدث في المحيط السياسي أو العسكري والاستعداد التام لمختلف الاحتمالات يتطلب من الدولة الأخذ بزمام المبادرة ومنها المبادرة العسكرية أو الاستباقية: وتعني أن يسبق قائد أحد الجيشين قائد جيش العدو إلى خطة حربية تمكنه من الانتصار عليه ودائماً يقصد بها صاحب الضربة الأولى أو الضربة الاستباقية. ومن أمثلة المبادرات السعودية على الصعيد العسكري تأسيسها للتحالف العسكري الدولي لإعادة الشرعية في اليمن بإطلاق «عاصفة الحزم» التي بدأت بالسيطرة السريعة خلال الساعات الأولى على المجال الجوي لسماء اليمن، وإخماد مضادات الدفاعات الجوية الحوثية المتحالفة مع المخلوع صالح، ونسف مخازن الأسلحة الثقيلة في اليمن. ثم استكمالاً للمبادرة الأولى أخذت بالمبادرة الثانية السياسية والعسكرية المتمثلة في إعلان قيادة التحالف الدولي عن حملة «إعادة الأمل» في اليمن، وتأسيس مركز خادم الحرمين الشريفين للإغاثة والأعمال الإنسانية. وكلا المبادريتين تركتا آثاراً ملموسة على المسرح الدولي متمثلة في صدور قرار الأمم المتحدة 2216 المؤيد لعودة الشرعية في اليمن والتأييد الدولي الواسع لمبادرتي المملكة، كما نلاحظ آثارهما في العلاقات الدولية بين السعودية ومختلدول العالم، وفي البرلمانات الأوروبية والكونجرس الأمريكي عند مناقشة مشاريع تزويد المملكة بالأسلحة اللازمة لعاصفة الحزم التي تنتهي بالموافقة عليها.. وعلى الصعيد الدولي يعتبر الهجوم الأمريكي الصاروخي على مطار الشعيرات السوري مبادرة عسكرية استباقية؛ ويقصد بها الفعل السابق للأحداث والآوان، والفشل في تحقيقها قد تكون نتائجه كارثية وتعطي الانطباع بالتهاون، وعدم الجدية في مواجهة الأحداث والتردد والتخاذل في اتخاذ القرارت الحاسمة في الوقت المناسب، مثل: تعامل الرئيس الأمريكي السابق أوباما مع بشار الأسد والاقتصار على تهديده فقط. والمماطلة في اتخاذ رد عملي عسكري حاسم ضده على أرض الواقع، رغم تجاوزه «الخط الأحمر» على حد تعبير أوباما نفسه، يقصد استخدام الكيماوي في منطقة الغوطة شرق دمشق الذي راح ضحيته مئات من سكان المنطقة نتيجة الحروق والاختناقات بسبب الهجوم بغاز الأعصاب السام. وفي المقابل نجد أن خلفه الرئيس ترامب أخذ بزمام المبادرة والضربة الاستباقية فقام بالهجوم الصاروخي المفاجيء على سوريا، على الرغم من أن التصريحات الأمريكية السابقة للضربة الصاروخية أكدت على أن داعش تأتي في الأولوية على سوريا، وتأخذ الأسبقية في سلم اهتمامات الرئيس ترامب، كما أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي - كررت ما سبق أن ذكره وزير الخارجية الروسي - بأن مصير بشار الأسد يجب حسمه من قبل الشعب السوري نفسه، على حد قوله أو تعبيره. والتصريحات الأمريكية السابقة انقسم المحللون السياسيون والعسكريون بشأنها إلى فريقين، الأول: يعتقد أن التصريحات الأمريكية السابقة طمأنت بشار الأسد، وجعلته يعتقد أنه في مأمن من التدخل العسكري الأمريكي في سوريا؛ فشجعته إلى شن الهجوم الكيماوي على خان شيخون الذي راح ضحيته عشرات الأطفال والنساء والرجال موتاً بالاختناق، فأثار موجة غضب عالمية بعد تداول صور الرضع والأطفال على وسائل الإعلام وهم يموتون اختناقاً بسبب الغازات السامة، وحركت مشاعر الرئيس ترامب فاتخذ القرار السريع بالهجوم الصاروخي على قاعدة الشعيرات العسكرية التي أقلعت منها طائرات النظام السوري المحملة بالقنابل الكيماوية وألقتها على خان شيخون. والفريق الآخر: يعتقد أن التصريحات الأمريكية لم تكن في حسبانها تشجيع بشار الأسد ولم تعطه الضوء الأخضر لفعل ما يريده وإنما كانت تلك التصريحات قبل الهجوم الكيماوي على خان شيخون بمحض الصدفة. وبصف النظر عن صحة اعتقاد أحد الفريقين فإن الحكومة الأمريكية بهذا الهجوم الصاروخي أخذت بلا شك زمام المبادرة في الرد العملي السريع الذي سبق مناقشات مجلس الأمن وتصريحاته وردود أفعاله على الهجوم الكيماوي، وحققت بذلك صدًى مدوياً في وسائل الإعلام العالمية التي أخذت تتحدث عن دقة إصابة الصواريخ الأمريكية لأهدافها التي انطلقت من البوارج الأمريكية الرابضة في البحر الأبيض المتوسط على مسافة 500 كم تقرياً من السواحل السورية، وتشيد بسرعة الرئيس ترامب في اتخاذ قراره الذي وصفه خادم الحرمين الشريفين بالقرار الشجاع خلال الاتصال الهاتفي بينهما.
الخلاصة
إن الأخذ بزمام المبادرة قاسم مشترك بين المملكة وأمريكا، وقرار ترامب الشجاع يصب في مصلحة المنطقة والعالم.