محمد سليمان العنقري
خلال افتتاحه المؤتمر والمعرض الدولي للتعليم العالي بالرياض هاجم معالي وزير التعليم الجامعات معتبرًا أن معظمها تحوَّل إلى مؤسسات بيروقراطية من الناحية الإدارية والتنظيمية، إضافة لاعتمادها على التمويل الحكومي كمصدر وحيد، وكذلك ضَعْف قدرتها على تحويل جهود البحث العلمي إلى منتجات اقتصادية على أرض الواقع. والنقطة الأبرز التي ذكرها هي عدم مواءمة مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل داعيًا إلى إحداث نقلة بهذا الاتجاه لتحسين برامجها وتخصصاتها بما يخدم سوق العمل.. كما يُفهم مما نقلته وسائل الإعلام عنه.
بداية، الجامعات - كما يعلم الجميع - تعمل بأنظمة معتمدة حسب الأصول المتبعة بإصدار الأنظمة والقوانين في المملكة، وتأخذ الموافقة على أنظمتها بحسب السلطات والصلاحيات، أي أنها تمارس مهامها وفقًا لأنظمة معروفة ومدروسة وموافق عليها من مجلس التعليم الأعلى السابق.. وكل الجهات التي تعتمد الأنظمة وما تقوم به ليس إلا ترجمة وتنفيذًا لهذه اللوائح والأنظمة، وليست اجتهادات خاصة بها غير مقننة أو منظمة. أما زيادة القبول وضرورة خفضه فأعتقد أن عليك كوزير أن توضح للأهالي والطلاب والمجتمع ما هو البديل لفرص القبول بالجامعات؛ فالتعليم بكل مراحله حق للمواطن، سواء بالجامعات أو غيرها من المؤسسات التعليمية، ومن المنطقي أن تبادر الوزارة لإعلان خططها لمستقبل التعليم بعد الثانوي وتوزيع القبول بكل فروعه، بعد أن باتت مرجعية المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لوزير التعليم.
أما من حيث تطوير وتنويع إيرادات الجامعات، وزيادة إنفاقها على البحث العلمي، فهذا يتطلب تغييرًا بالأنظمة التي تسمح بزيادة دخل الجامعات وتنويع مصادره عن ما هو مطبَّق حاليًا. وبخصوص البحث العلمي فإن المشكلة ليست من الجامعات فقط، بل أيضًا بضرورة دعم القطاعَيْن الحكومي والخاص للبحث العلمي والاستشارات بالجامعات، من خلال زيادة الطلب على بحوثها وتمويلها.. فهل يعلم معالي الوزير أن حجم سوق الاستشارات بالمملكة - على سبيل المثال - يتجاوز 12 مليار ريال سنويًّا، جُلُّه طلب حكومي، وأن الشركات الأجنبية للاستشارات نصيبها يبلغ 85 % من هذا السوق، و10 % فقط للجامعات؟! أليس من الضروري أن تكون الأولوية بطلب الاستشارات الحكومية من نصيب الجامعات؟ فماذا عملت الوزارة لدعم زيادة دور الجامعات بسوق الاستشارات؟ وهو مثال يوضح أن هذه المؤسسات التعليمية تحتاج إلى دعم أكثر من «نقد» ببعض الأمور المتعلقة بأدوارها المتوقعة منها؛ ما يؤكد صعوبات أكبر لكي تحصل الجامعات على فرص القيام بأبحاث علمية بتمويل من جهات عديدة بحاجة إلى أبحاث تطوِّر من أعمالها ومنتجاتها، وهو ما يُعدُّ جزءًا أصيلاً من الطلب. أما قيام الجامعات بأبحاث تبادر بها فهو أيضًا يحتاج لحاضنات وسوق تعطي تلك الأبحاث حقها وتكلفتها وجدوى الاستفادة منها، وترجمتها من خلال منظومة شراكة واسعة بينها وبين القطاعَين العام والخاص، مع تحسين المزايا التي يجب أن تُعطَى للباحثين؛ حتى تكون محفزًا قويًّا لهم.
لكن ما يخص قضية البطالة ودور الجامعات بها فإن الإحصاءات عن حجم العمالة بسوق العمل وتوزيعها حسب القطاعات التي يعملون بها، والمهن كذلك، تكشف أن البطالة التي وصلت حاليًا عند 12.3 % ليس سببها الجامعات؛ لأن نحو 50 %من العمالة بالقطاع الخاص (أي من أصل نحو 10 ملايين عامل مواطن ووافد) تعمل بنشاط المقاولات، وجُلُّها وظائف لعمالة عادية متدنية الدخل دون ألف ريال شهريًّا، ولا تحتاج لمؤهلات، ونحو 1.7 مليون عامل بقطاع التجزئة الذي لا يحتاج لمؤهلات محددة؛ ما يعني أن نحو 67 % من الوظائف بالقطاع الخاص احتياجها لمؤهلين محدود، وهي في جُلِّها وظائف غير مناسبة للمواطن العاطل عن العمل ومؤهلاته، ولا تحقق دخلاً مجزيًا، وغالبيتها أيضًا بأنشطة ليست مستدامة. ومعروف أن قطاع المقاولات - مثلاً - يعاني ضعفًا بالنشاط وتقليصًا كبيرًا بحجم العمالة فيه حاليًا، أي أن على وزارة التعليم أن لا تحمِّل مشكلة البطالة للجامعات قبل أن تدرس وتحلل توجهات الإنفاق في السنوات الماضية بالاقتصاد، وأي القطاعات استفاد؟ وما هي حاجاته للعمالة؟ وهل وظائفه مستدامة؟.. أما الأمر الآخر فمن الضروري أن تطلع أكثر على دور وزارة العمل منذ سبع سنوات على الأقل؛ لتعرف أين أصابت أو أخطأت بسياسات التوطين، ودور برامجها، وخصوصًا نطاقات بذلك؟ وهل كانت برامج التأهيل والتدريب التي ينفق عليها صندوق «هدف» ملائمة لاحتياجات السوق أو تصب بالتدريب على مهن مستدامة؟ وهل تمت معالجة الانكشاف المهني بالتنسيق بين وزارتي العمل والتعليم؟ وأن تسأل الوزارة: لماذا هناك عاطلون بتخصصات علمية وصحية ومالية رغم أن تأهيلهم جيد، وبعضهم كان يعمل وفقد عمله بسبب تراجع النمو الاقتصادي؟.. فهل تنظر وزارة التعليم بأهمية وجدية لأثر تباطؤ الاقتصاد للعام الماضي لمستوى 1.4 %، وأن القطاع الخاص حقَّق نموًّا لا يُذكر، بل هو ركود حقيقي عند 0.11 %، حتى تعلم أن هناك عوامل رفعت البطالة، لا أن نحمِّل الجامعات مسؤولية عوامل لا علاقة لها بها أو بمخرجاتها؟
إلمام وزارة التعليم (المظلة الكبرى لقطاع التعليم العام والعالي) بالظروف والعوامل كافة المحيطة بالجامعات وتأثيرها في التنمية الاقتصادية، ومعرفة واقع حركة الاقتصاد ودوراته، وكذلك الأنظمة الرئيسية بسوق العمل، والظروف كافة المحيطة بدور وأداء الجامعات.. يصل إلى الهدف المنشود بتطوير دورها، وتحسين أدائها في الجوانب التي تمثِّل قصورًا أو احتياجًا لتعزيز دورها الاقتصادي والاجتماعي، لكن لا يمكن تحقيق أي نتائج صحيحة وصحية إذا نظرنا إلى أن المشكلة كلها في الجامعات؛ لأن ذلك سيكون علاجًا مسكنًا وليس جذريًّا لملف البطالة والتنمية عمومًا.