د. محمد عبدالله العوين
لم يستح بعض العرب الذين يزعمون الحياد ويدعون التحلي بالاتزان من الدعوة إلى الحفاظ على مقعد إيران في المنظمات والمؤسسات الإسلامية؛ بل بلغت ببعضهم البجاحة توجيه الدعوة إلى الدولة المارقة لحضور أحد مؤتمرات القمة العربية بصفة مراقب!
ولا أعلم كيف يمكن أن يقبل العقل والمنطق أن تدعو عدوك لحضور مداولاتك والاستماع إلى رؤاك واكتشاف نقاط الضعف أو القوة لديك، وتمكينه من فرص كسب أصدقاء واستمالة آخرين بما يمكن أن يظهره من أساليب التلون والخداع والزيف وإظهار وجه آخر لطيف متسامح ودود من باب «التقية» الذي مرد عليه وسنه متكأ وأسلوبا يتعامل به مع خصومه حين يستبد به العجز عن المواجهة والالتحام.
لقد اتخذت دول عربية قرار مقاطعة إيران دبلوماسيا ورحلت سفراءها وأوقفت التعاملات التجارية معها، ومنها المملكة العربية السعودية والبحرين والسودان والصومال وجيبوتي وجزر القمر؛ بل امتدت كراهية النظام الإيراني إلى بعض دول العالم كما فعلت كندا التي اعتبرت إيران دولة إرهابية وقاطعتها دبلوماسيا وتجاريا، وسرت كراهية عصابة الملالي فحذت دول عدة حذو كندا؛ كجاميا، والمالديف، وبرنسيب، وساوتومي، وماليزيا، وغيرها.
ومن المضحكات أن يطلب دبلوماسي عربي دعوة إيران إلى حضور مندوب إيران كمراقب في قمة البحر الميت بعمان التي انعقدت أواخر الشهر الماضي، أو أن يتم الحفاظ على مقعد إيران في منظمة التعاون الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وما يماثل هاتين المؤسستين الإسلاميتين الكبيرتين!
فماذا بقي بعد كي تتبادل دول عربية عدة علاقات «الأخوة والمحبة والتعاون المشترك» مع إيران ومنظماتها وأحزابها وعملاؤها وأسلحتها وجيوشها وميلشياتها تفتك بالشعوب العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتثير الفوضى والشغب وتكدر الأمن في البحرين، وتدفع الزعران والمأجورين والغلمان الضالين والخونة من بعض أبناء الطائفة الشيعية في العوامية إلى إثارة الفوضى والتخريب، وتنشئ الأحزاب والخلايا السرية والعلنية في الدول العربية وغير العربية التي تتطلع إلى اكتساحها وتشييعها ليكونوا لها عيونا وآذانا كما فعلت سابقا في السودان، وكما تسعى جاهدة إلى أن يكون لها موضع قدم في مصر ونيجيريا والنيجر ووسط وغرب أفريقيا، وقد كونت عملاء مأجورين باسم «التشيع» في نيجيريا ورفعوا راية الدعوة الطائفية؛ ولكنها فشلت بمقاومة الشعب النيجيري ودخوله في حرب ضارية مع العناصر التي شراء ذممها؛ إلا أن إيران أيضا لا تستخدم الشيعة أو المتشيعين فحسب؛ بل تكون عملاء سنة وتدعمهم بالمال والسلاح وتصنع لهم الخطط ليكونوا معول هدم في الإسلام السني وليثيروا غضب العالم وكراهيته على الإسلام والمسلمين؛ بما ترتكبه الجماعات التكفيرية المتطرفة من جرائم القتل والممارسات الوحشية تحت رايات كاذبة لا تمت للإسلام بصلة وإنما هي أفعال «الخوارج» الأول الذين كونهم من قبل مئات السنين أجداد الفرس اليوم؛ كما هو منهج «داعش» أو جماعة «بوكو حرام» ومن قبلهما «القاعدة».
وإيران تعلم كل العلم منطلقات فكر جماعة «الإخوان المسلمين» ومبادئها وما تدعو إليه من «أممية» تلغي الأوطان والشعوب لترفع راية واحدة تأتمر باسم الجماعة مما يجعل لإيران التي تلتحف بسم الإسلام سببا للدخول إلى المجتمع الإسلامي باسم «الأمة» فأقامت أوثق العلائق مع الجماعة منذ نشأتها مطلع الثلاثينيات من القرن الميلادي الماضي وفي عهد مرشدها الأول حسن البنا، ومن بعده المرشدون اللاحقون، ونشرت كتب مفكري الجماعة باللغة الفارسية، ورفعت صور البارزين منهم على أكبر اللافتات في شوارع طهران، ودعت كتاب الجماعة وإعلامييها ومثقفيها لزيارة إيران وحضور مجلس الشورى الإيراني والكتابة عن التجربة الإيرانية؛ كما فعل فهمي هويدي وغيره، وليس الأمر بالطبع مقتصرا على تيار الإسلام السياسي فحسب؛ بل تنتهز الفرصة لاستخدام أي قلم أو صوت يمكن استئجاره لخدمة طموحاتها التوسعية الاستبدادية وأحلامها الساسانية؛ كما هو شأنها مع الكاتب
«القومي العروبي» محمد حسنين هيكل «ولا أدري كيف يمكن أن يتلاقى الخطابان العروبي والفارسي في وجدان مفكر واحد! للحديث بقية!