د. فوزية البكر
قدّم المعرض والمؤتمر الدولي السابع للتعليم العالي الذي عقد بالرياض من الفترة من 12 إلى 15 أبريل 2017، فرصة جيدة لنا جميعاً؛ سواء كمواطنين أو مشتغلين بالتعليم أو طلاب أو آباء، للتفكر في الفرص والتحديات التي تواجهنا جميعاً في هذا العصر الذي لا يكف عن التغير والابتكار.
ولعل أحد أبرز هذه التحديات في رأيي هو مقابلة التطلعات الاجتماعية الكبيرة التي يطرحها كل مواطن لتحقيق ما يصبو إليه، فكلنا نعمل ليل نهار لجعل أبنائنا يحصلون على تجربة علمية جيدة تنقلهم من طبقة اجتماعية إلى أخرى، فالفقير يعمل ويحلم بأن أولاده وبحصولهم على التعليم وربما إذا تمكنوا من الالتحاق بالجامعات فإن ذلك سينقلهم من الكبد الذي ترزح تحته طبقته الفقيرة فيتمكن أبناؤه (عبر تعليمهم) أن يصبحوا من أفراد الطبقة المتوسطة التي يتوافر لديها مهنة ثابتة تلبي الاحتياجات وتجلب اعتراف الآخرين، كذلك الأب من طبقة متوسطة يعمل على إلحاق أبنائه بمدرسة أهلية رغم تكلفتها المالية العالية لأنه (يعتقد) أنها توفر خبرات لا توفرها المدارس الحكومية كاللغة الإنجليزية وبناء الشخصية (حتى لو كان ذلك على حساب المهارات الأساسية في القراءة والرياضيات، فهذه لا أحد يسأل عن توافرها للأسف)، ومن ثم سيستطيع أبناؤه الالتحاق بأهم التخصصات التي تطرحها الجامعات فينتقلون من طبقته لطبقة ما فوق الوسطي أو المقتدرة.. وهكذا يتم الحراك الاجتماعي بين الطبقات عبر مقابلة توقعاتهم المختلفة.
السؤال هو عن مدى قدرة مؤسسات التعليم، خاصة العالي على الاستجابة لهذه التوقعات الاجتماعية التي تقترن عادة بضغوط هائلة على مؤسسات التعليم وقد تجبرها عبر (السياسات المهادنة اجتماعياً) إلى فتح أو قبول بقاء تخصصات لا حاجة لسوق العمل بها، ولدينا نحن هنا في المملكة أدلة صارخة عبر كثير من الأقسام الجامعية وتحديداً في الدراسات الإنسانية أو حتى العلمية (التي لا تقترن بمهارات مهنية) التي تضخ للسوق بطالة مستمرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولم نفعل شيئاً تجاه ذلك لأن هناك قوي وضغوط اجتماعية وثقافية ومهنية تجبر الجامعات على الاستمرار في فتح هذه التخصصات التي لن تتوافر لها مهن في عصر أكثر ما يميزه هو التغيير المذهل إلى درجة أن معظم المهن الحالية ستختفي خلال الثلاثين سنة المقبلة.
في كلمته أمام المؤتمر التي ألقاها وزير التعليم دكتور العيسى صبيحة الأربعاء 12-4- 2017، أكد أن أهم التحديات التي تواجه جامعاتنا هو تضخم إعداد الطلاب والطالبات في الجامعات رغم أن مخرجاتها لا تتوافق مع احتياجات سوق العمل، وأشار معاليه إلى ضعف الجامعات في تحويل منتجاتها إلى صناعة: (صناعة المعرفة) لأسباب كثيرة ليس أقلها نماذج التعليم التقليدي التلقيني التي تسيطر على هذه الجامعات وتحولها إلى مؤسسات حكومية بيروقراطية غير قادرة على مواجهة التغيرات المتسارعة التي تحصل اليوم في عالم التعليم الجامعي، لكنه في الوقت ذاته بشر بقرب صدور أنظمة واستراتيجيات جديدة تنظم التعليم الجامعي في المملكة، يتوقع منها إعطاء الجامعات استقلاليتها المالية والإدارية التي ستمكنها من اتخاذ قرارات خاصة بها تتناسب وميزانياتها (المتقلصة بالتدريج) وتساعدها على موءامة مخرجاتها مع سوق العمل المتخم بالتغير التكنولوجي والتقني الذي لا حدود لتصوره ولا مناص من اللحاق به إذا أردنا أن نجد لنا بقعة معرفية تحت قبة شمس كوكبنا.
لامس البيان الختامي للمؤتمر الكثير من هذه الهموم، مؤكداً ضرورة إيجاد نماذج جديدة من التعليم الجامعي تلامس التحولات الرئيسة في تشكيل وظائف سوق العمل، وفي مضمون ومهارات هذه الوظائف عبر تغيير الطرائق التي تدار بها الجامعات والطرق التي تدرس بها طلابها، وأكد أن خريجي جامعات اليوم يواجهون عالماً أكثر تعقيداً وتقلباً وحيوية من أي وقت مضي مما يحتم تزويدهم بحزمة المهارات المعرفية والمهنية التي تمكنهم من إدماج أنفسهم في عالم اليوم، فهل ستستطيع جامعاتنا استيعاب هذه الأفكار (الثورية) لتغير من نفسها؟ وماذا سيحدث لمئات الآلاف من خرجي الثانوية الذين لن يحصلوا على مقاعد بسبب تقليص المتاح منها الآن؟ وهل هناك قنوات علمية ومهنية (مشرفة) اجتماعياً ومجزية مهنياً لتكون بديلاً قادراً على استيعاب توقعات الطبقات الفقيرة والمتوسطة المتنامية مع الزيادات السكانية الكبيرة؟ ما الذي سأفعله إذا لم أجد لابني خريج الثانوية مقعداً؟ وماذا سيفعل ابني نفسه إذا وجد نفسه خارج التعليم وخارج سوق العمل؟ علينا فقط أن نتخيل لنتصرف بسرعة.