عبدالعزيز السماري
أعلن أحد رجال الأعمال في أحد برامج التواصل الاجتماعي أن ثروته التي وزعها على أبنائه أعادها الله -عز وجل- له في ثلاث سنوات، كانت أقرب إلى الكساد الاقتصادي في البلاد، حيث انخفضت أثناء هذه المدة نسب الاستهلاك أو مشتريات المواطنين إلى نسب تصل في بعض القطاعات إلى 65 %، وتأثرت بسبب ذلك أرباح كثير من الشركات.
نبارك لرجل الأعمال الشهير مضاعفة رأس ماله خلال سنوات، ونتمنى له مزيداً من المكاسب، كما نرجو من الله -عز وجل- أن ينعم على الجميع بلا استثناء بالكفاف في العيش، وأن يبعدهم عن ضيق العيش في وطنهم.
هذا اللقاء تم توزيعه إعلامياً بشكل واسع، وما لفت نظري فيه هو قيمة الوقف، والذي تجاوز 60 مليار ريال سعودي، وهو وقف ضخم، ويُشكر عليه رجل الأعمال، وإن كنت أتمنى أن تتغير مفاهيم الأوقاف عند رجل الأعمال وغيره، والتي كانت في أغلبها تنحصر في تمويل الجمعيات الخيرية وبناء المساجد، وقد وصلت في بعض الأحياء إلى نسب عالية إلى السكان.
يميل الكثير من رجال الأعمال لبناء المساجد، لأن فيها الخير والأجر الثواب الكثير حسب الاعتقاد الديني، وأيضاً لقلة تكاليف بناء المسجد عند مقارنتها ببناء المستشفى على سبيل المثال، أو بناء الجامعة كأوقاف خيرية، وذلك لحاجتها إلى تمويل سنوي ورعاية وإدارة متطورة ومستمرة.
تنتشر في البلاد الأكثر تطوراً في العام المعاصر المستشفيات والجامعات التي تقوم على الوقف الخيري أو الديني، ويقل نقيضها التجاري أو أولئك الذين يحاولون استغلال حاجات الناس الماسة للصحة والتعليم لمضاعفة أموالهم، وعادة ما للأوقاف التعليمية والصحية ممولين من مختلف فئات المجتمع، وتقوم بعض هذه الجامعات والمستشفيات بأدوار تنموية وتساهم في إثراء المجتمع وتطوير فكرة الوقف الخيري في أذهان الناس.
يبدو لي على الأقل أن في استطاعة وقف خيري تصل قيمته إلى 60 مليار ريال سعودي أن يمول بناء مستشفى ضخم لعلاج المحتاجين من ذوي الدخل المتدني، أو جامعة خيرية تقدم المنح لأبناء وبنات الطبقات الفقيرة في المجتمع، وأنا كلي ثقة أن نجاح مثل هذا الوقف سيدفع برجال الأعمال في المجتمع للمساهمة في تحويل هذين القطاعين من خانة استغلال الناس إلى مساعدتهم ثم بذل الخير في محله.
دفع العمل الخيري في هذا الاتجاه قد يساهم في تخفيف التوجه لتكوين الثروات الطائلة عند بعض رجال الأعمال من خلال بناء المستشفيات المتدنية المستوى، واستغلال سوء التنظيم الصحي إن صح التعبير والاعتماد المفتوح من قبل وزارة الصحة لاستقبال الحالات الطارئة وعلاجها على حساب الدولة.
ما حدث من استغلال كانت نتيجته ثراء فاحش لبعضهم على حساب حاجات الناس الضرورية، وكان أشبه لرواية تاجر البندقية وقصة أنطونيو وشيلوك وأكل لحم المستدين إن فشل في تسديد دينه، وهذا ما يجري فارتفاع فواتير بعض الحالات في المستشفيات الخاصة يجعل منها أقرب لذهنية شيلوك في المسرحية، فالمواطن أو الإنسان على استعداد فطري لبذل أي شيء من أجل صحة فلذات كبده.
لهذا السبب أدعو رجل الأعمال الشهير سليمان الراجحي أن يقدم نموذجاً جديداً في العمل الخيري، وأن يكون مثالاً حياً لرجال الأعمال الآخرين في تغيير مفاهيم الوقف الخيري من بناء المساجد فقط إلى بناء مستشفى أو جامعة يستفيد منها فقراء المجتمع ومحتاجينه.