د. محمد بن إبراهيم الملحم
قدمت في مقالتي السابقة حول توجُّه الوزارة للكتاب الرقمي وتحفُّظ بعض التربويين على ذلك، وأشير إلى أنها تحفظات مفيدة لكن لا تمنع من التقدم في هذا المشروع إن كان بني على أساس متين، وهذا الموضوع هم دولي على مستوى أكثر الدول تقدماً ، فقد وردت بعض السلبيات في دراسة أمريكية عام 2013 أجرتها بروفيسورة اللسانيات في الجامعة الأمريكية نعومي بارون ضمن كتابها "كلمات على الشاشة"، توصلت إلى أن 87% من طلاب الجامعة يفضلون الكتاب المطبوع على الرقمي وأن 92% يعتقدون أنهم يركزون أفضل من خلال المطبوع، وأعتقد كما وضح بعض المحللين لهذا التفضيل، أنه بحكم العادة استجابة طبعية في هذه المرحلة من عمر التجربة. وفي تحديث للدراسة عام 2015 وجدت أن 65% من طلاب المدارس من سن 6 إلى 17 سنة يفضلون المطبوع أيضا، موضحة سببين لذلك: الأول أن الطلاب تشتتهم موضوعات الإنترنت الأخرى عندما يتصفحون الكتاب الرقمي، والثاني هو إجهاد العينين. وهذه النتائج تشير لي كفاحص لهذه الدراسة، أن أفرادها يحصلون على الكتاب الرقمي عبر النت وبواسطة أجهزة عادية، قد تكون كمبيوترات أو لابتوب أو حتى أجهزة لوحية عادية ، وهنا مربط الفرس في تحييد هذه المتغيرات التي أشارت إليها هذه الدراسة من خلال ما سأقدمه فيما يلي.
أولاً ضرورة أن يكون الكتاب مخزناً على جهاز الطالب اللوحي فلا يدخل الإنترنت وبهذا ضمان لعدم تشتته، كما أنه يتماشى أخلاقياً مع احترام حرية الآباء في التربية فليس كل أحد يتيح لأولاده في أي سن وأي وقت الدخول على النت بل هناك ضوابط لذلك، وهو الصحيح تربوياً وينادي به التربويون لدينا وفي الغرب، وما لم تراع وزارة التعليم هذه الخصوصية التربوية، فإنها قد تصبح عائقاً للوالدين في تربيتهم لأولادهم بدل أن تكون هي المحرك الأساسي للعملية التربوية بمعناها الحقيقي. ثانياً، ينبغي أن يكون الجهاز اللوحي الذي ستوزعه الوزارة من نوع شاشة الحبر الإلكتروني (مثل كيندل Kindle)، فهي لا تتضمن أية إشعاعات ومريحة للعين تماماً كالورق العادي ، بل بطاريتها طويلة الأمد لعدة أيام، بينما أجهزة التابلت العادية مدتها 7 ساعات أو أقل أي أنها ربما تنفذ واليوم الدراسي لم ينته بعد! شاشات الحبر الإلكتروني قابله للمس ويمكن الكتابة عليها تماماً كما تكتب على الورق، وبالتالي يمكن للطالب كتابة تهميشاته على نص الكتاب بخط يده ومسحها أو تعديلها كما يشاء ، والأهم في هذه الميزات كلها، عدم إجهاد العين تماماً كما أسلفنا.
قضية مهمة جداً يجب أن تتنبّه لها الوزارة في تصميمها لهذا المشروع، وهي أنّ الجهاز قد يصيبه العطل أو "يعلق" وهذا عذر منطقي يتقدم به الطالب لعدم تأدية الاختبار أو الواجب، وقد أشارت بعض التقارير التحليلية الغربية إلى هذه الاعتبارات ، بيْد أني أقول إن فقد الكتاب الورقي هو أيضاً عذر يقدمه من يريد أن يتملّص من الاختبار، ومع ذلك يستمر السؤال للطالب الصادق: ما هو البديل؟ ولاشك أنه توفر الكتب عبر النت، بيْد أنه حل مؤقت لتلك الواقعة وأمثالها ، ولابد معه أن تتوفر للطالب قناة لإصلاح جهازه المتعطل وهو ما يجب أن توفره الشركة المتعاقد معها، فهل ستفتح تلك الشركة فروع بكل أنحاء المملكة؟
أيضاً، يحق للطالب أن يشتري جهازاً آخر لو فقد جهازه الممنوح له من الوزارة أو تعطل، فهل سيتوفر بكل أنحاء المملكة عبر موزعين مرموقين؟ أخيراً كيف سيكون تحديث الكتب في الجهاز المحمول عند تأليف كتاب جديد؟ لاشك أنّ ذلك سيكون عبر تنزيله من النت، وهذا جيد، ولكن ماذا سيتم بشأن أولئك الذين في هجر نائية أو من يكون النت لديهم ضعيفاً جداً لا يتمكنون معه من تنفيذ المطلوب؟ هل ستوفر الوزارة وسيلة بواسطة المدرسة للتحديث اليدوي المباشر؟
أسئلة كثيرة أجزم أنها في بال الوزارة ولكن أحببت أن أنبه إليها لعل وعسى، والأهم أنها تبرر الإجابة بـ"نعم" للكتاب الرقمي إذا.. فانتبهوا يا قوم.