د. خيرية السقاف
كنا في طريق نتحدث, قالت كثيراً عن تساؤلاتها اليومية عما فقدت من الإحساس المحرض للدهشة الموحية، مع أنّ جلَّ ما حولها يُدهش بالفعل لكنها لم تَعُد تشعر ببهجة خفية كانت تنتابها وهي في اللحظات محرضة مواقفها للدهشة، وأنها أيقنت بأنّ أشياء صادمة ومفرطة في التفاصيل بلدت فيها الحس, وغيرت انفعالاته وأشكال التعبير عنه, مع أنها متلازمة ومفرطة في العجائب, كأنها داخل مضمار تتشكل فيه عجائب بهلوانية ينغمس فيها وجه المرآة, وزواياها داخل إطار بطول الوقت, ومداه..
أسهبت صاحبتي في الفكرة, ثم أخذت تتـئد وتحاول ترتيب ألفاظها, وانتقاءها علّها تدير الموضوع صوباً آخر.., وأنا أصغي إليها, وأعرف تماماً أنها في النهاية سوف تطلق آهة طويلة, وتمد يدها اليمنى عن يمينها تتمطى وهي تختم: «ما علينا»..
ذلك لأنها لا تجهل, وقد تجهل أن خاتمتها تلك, تثير دهشتي دوماً, وتحرض لتأملي كثيراً, مع أننا نتفق عند البدء ونحو المنطلق !!
ابتسمت وأنا صامتة, هي لم تقل شيئاً لم أقله, كما إنها لا ترى ما لا أرى, وغالباً ما كنا ذاتاً واحدة, ومنطقاً لا يختلف مخارج الحرف فينا تسبق الأخرى لتتشكل الكلمة والعبارة.
ما يدهشني هو توجس غامض: أوَ لو اختلفنا تخرج كلماتنا معاً؟!, أو نسكت معاً؟!, أو أننا سنتبادل النظرات, وتذهب كل منا إلى ركن في زاوية ما من زوايا المرآة..؟
كانت للتو تتفرسني, ثم حركت رأسها متسائلة : ماذا؟!, ما الذي أدهشك..؟
إيه صديقتي, لو أننا لا نعبأ كثيراً بكل شيء, لا نشعر البتة, نتبلد, نتجمد, ننجو بأسئلتنا في الجبِّ, وفي غيابته نرتِّب الأعباء, نربِّت على الإعياء, لمررنا بكل ما يدهش دون اكتراث, وحدنا نغْزل, ونسدر في النسيج،
يا سيدتي الحالات كثيرة لا تعجب, وتدهش من فرط كلاحتها, وكثير آخر مثلها يختلف, ويدهش من غور بلادتها, كلها تحرض كامناً كبروق بعيد, يومض بلا مطر, ويحرق بلا شرر, توقفنا قليلاً في صمت..
أمسكت بيدي, فقطعنا الشارع نحو ركن قديم نحتسي فيه القهوة عند زاوية الطريق, بينما خرجنا قليلاً عن إطار المرآة, نهز رأسينا, والدهشة ابتسامة تبادلناها مع أول رشفة من الفنجال!!..