عبد العزيز بن علي الدغيثر
بصراحة، لم يحدث أن يومًا وصل الأمر أن تشاهد المدرج الأصفر خاليًا من الجماهير حتى في أصعب المواقف وأحلك الظروف. لقد ظلت الجماهير النصراوية مضربًا للمثل في وفائها ووقفاتها ومساندتها للفريق حتى وهو مهدد بالهبوط. ولقد كانت الجماهير النصراوية إلى وقت قريب تنفرد بميزة عن غيرها من الجماهير الأخرى، وذلك بعدم ربط حضورها بالنتائج، وكانوا إلى وقت قريب ينعتون جماهير الأندية الأخرى بأنها جماهير فوز، واليوم ما أشاهده ويشاهده الجميع أن العدوى قد انتقلت، وأصبحت الجماهير النصراوية بعيدة كل البعد عن معشوقها، وأصبحت كبقية الجماهير الرياضية بحضورها، وارتباطه بنتائج. وبغض النظر عما يحدث داخل البيت النصراوي من مشاكل وأزمات إلا أن العتب كل العتب على جمهور المدرج الأصفر الذي خيَّب الآمال بحضوره، لن أقول الضعيف بل الأقل من ذلك. وما مباراة النصر والتعاون في الجولة الماضية إلا أكبر دليل وبرهان. وكيف يحدث ذلك في وسط العاصمة الرياض مقر النادي؛ إذ إن عدد الجماهير لا يتجاوز عدد اللاعبين دون الاحتياط، وهذا أمر غير طبيعي وغير معروف أو ملازم لجماهير الشمس. واليوم الخوف كل الخوف أن تهجر الجماهير المدرج، ويصبح النادي بدون جماهير، ويكون كل ما وصل إليه من إنجازات وحضور وشعبية من الماضي، وهذا ليس بالغريب؛ فهناك إمبراطوريات وكيانات ودول اختفت ولم يعد لها وجود إلا ذكرها، وهذا ما هو متوقع ومرشح حدوثه إن استمرت المشاكل والأزمات الإدارية والمالية، وما خفي كان أعظم.
هل حسمها الهلال البارحة؟
أتوقع أن الهلال قد حسمها البارحة، وتوَّج نفسه بطلاً لدوري جميل من أمام فريق الشباب الذي يعيش أسوأ مواسمه فنيًّا وإداريًّا وماليًّا.. وإذا كان الهلال قد تُوِّج فنقول له مبروك (ومَن حصَّل شيئًا يستاهله)، وإن كانت المباراة قد انتهت بالتعادل أو خسارته - وهذا غير متوقع - وإن حدث فالهلال على مهلة بعد أن ابتعد كثيرًا بالنقاط، والهلاليون ليسوا بقلقين لهذه الدرجة، خاصة أن أمامهم لقاء سهلاً، هو لقاء الوحدة الذي يعيش وضعًا فنيًّا غير جيد، ومهدد بالهبوط. وفي كل الأحوال، الهلال متوج منذ وقت مبكر عطفًا على الفرق الشاسع في عدد النقاط مع أقرب منافسيه (نادي النصر). ونظرًا لعدم إمكانية تأخير إرسال المقال لحين معرفة النتيجة فقد كان التوقع والتحليل المبكر حاضرَيْن، وسيكون هناك وقفة وحديث أوسع عن البطل والمباراة في المقال القادم - بإذن الله -.
نقاط للتأمل
- يتفق الجميع على أن ملح ومتعة مباريات كرة القدم تكتمل بالحضور الجماهيري على مستوى العالم كاملاً. ونحن في هذه البلاد نتميز بهذه الميزة والمتعة عن غيرنا بحكم مساحة الوطن الشاسعة، وكثافة العدد السكاني، ونسبة الشباب بينهم، ولكن - مع الأسف - نجد أن هناك هجرًا وشبه غياب للجماهير، ولأندية جماهيرية مثل النصر، الذي يعتبر سابقة لم أشاهدها من قبل، وكذلك نادي الهلال الذي لم يعد حضور جماهيره بتلك الكثافة في الحضور محليًّا وآسيويًّا. وهذا أحد أسباب نقل لقاء منتخبنا ضد المنتخب الياباني إلى مدينة جدة بعدما كانت معتمدة للعب في الرياض.
- يقول الأولون (الجد مفرق الحيل)، وهذا ينطبق على عدد كبير ممن سارعوا وذهبوا لتقديم اعتذاراتهم وطلب الصفح والعفو من مسؤولين ولاعبين وإعلاميين، بعدما أساؤوا لهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل إعلامية.. وهذا ما كان يجب أن يحدث وأن يُطبَّق النظام على كل من يتجاوز ويسيء للآخرين، ويُشكر كل من تنازل وعفا؛ فالعفو عند المقدرة. ونسأل الله الهداية للجميع.
- ما يحدث في الفريق النصراوي من غيابات وعدم حضور أمر مقلق، وغير مسبوق. وإذا كان الملل والوعود الوهمية قد أنهكت اللاعبين وأحبطتهم إلا أنه يقع عليهم مسؤولية كبيرة وهم جميعهم محترفون وملتزمون بعقود، وأشبه بالموظفين، رغم عدم استلامهم رواتب منذ بداية الموسم، وبعضهم لم يستلم مقدم العقد، ولكن هذا لا يمكن أن يكون مبررًا لعدم الحضور، والنظام ينص على أن تحضر وتعمل وتؤدي وتطلب حقوقك من الجهات الرسمية والمرجعية الرياضية إذا أُغلقت كل الأبواب أمامك من مسؤولي ناديك. واليوم الغياب أصبح شاملاً وعامًّا في الملعب والمدرج، والقادم أسوأ وأمرّ.. فقط تذكروا.
- تقديم نادٍ جزائري، هو نادي وفاق صطيف، شكوى للفيفا ضد أربعة أندية سعودية في وقت واحد، ومن أكبر الأندية السعودية وأعرقها وأقدمها وأكبرها، أمرٌ مؤسف جدًّا؛ فقد تقدم النادي الجزائري الاثنين الماضي بشكوى ضد نادي الاتحاد حول حقوق لاعبه زيايه، ونادي النصر بسبب لاعبه دلهوم، والشباب بسبب ابن يطو والوحدة بسبب أووداغولو. وهذا كله ينعكس على سمعة الرياضة السعودية بكاملها، فضلاً عن تكرار الشكاوى والمشاكل على الأندية المهددة بالحرمان من التسجيل والمشاركات القارية رغم مراكزها المتقدمة في سُلَّم تريب الدوري.
- خاتمة:
تزاول لي الجنة وأنا التائب الخطاي
وأجر أنفاسي لا شفت لي نار مشبوبة
وجيت أطلبك في ركعة الوتر يا مولاي
كبير تصاغره الزمان وبغى التوبة!
وعلى الوعد والعهد معكم أحبتي عندما أتشرف بلقائكم كل يوم جمعة عبر جريدة الجميع (الجزيرة)، ولكم محبتي، وعلى الخير دائمًا نلتقي.