أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: لا قيمة لـ(العقل الجمالي) إلا أن يكون جلالا وكمالا؛ فالبداية من الرب الكريم؛ فإنه جميل يحب الجمال؛ ولن يحب ربنا سبحانه وتعالى إلا ما فيه صلاح البلاد والعباد؛ لأنه رؤوف بمخلوقاته؛ وبذلك تواترت النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وورد النص الشرعي بأن الله ذو الجلال والإكرام، وذو الجلال جليل بالضرورة اللغوية؛ ولا خلاف في ثبوت النص الشرعي بأن الله ذو الجلال والإكرام؛ وإنما الخلاف في الإلظاظ بهما في حديث: ألظوا بـ (ياذا الجلال والإكرام)؛ فهذا الحديث فيه ضعف؛ ولكنه ثبت نفعه بالتجربة، وقد جربت نفعه.
قال أبو عبدالرحمن: كما هي عادة معطلة الله من صفاته وأسمائه؛ وهو تعطيل بألسنتهم وأقلامهم ومعتقدهم؛ ولا ينال شيئاً من ثبوت أسماء الله وصفاته في نفسه جل جلاله؛ فهو المهيمن العزيز الحكيم الغني الحميد؛ ومن رحمته لا يرضى لعباده الكفر؛ لأنه يريد أن ينقذهم من النار إذ جعل إيمانهم أو كفرهم حسب اختيارهم؛ فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر؛ ولا يهلك على الله إلا من أبى.. قالت المعطلة : (إثبات الصفات يقتضي إثبات الجسم)؟!
قال أبو عبدالرحمن: ثم ماذا؟.. إن الحريصين على اتباع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضي الله عنهم؛ وهم السلف الصالح حقاً: لا يثبتون اسم (الجسم)، ولا ينفونه؛ وليست هذا الأحداث من لغتهم ولا استعمالهم؛ وإنما ينظرون إلى المعنى؛ فإن كان المراد الإيمان بأن الله جسم: فإنهم يأبون إطلاق ذلك؛ لأنهم لا يسمون الله إلا بما سمى به نفسه؛ فأسماؤه وصفاته توقيفية.. وإن كان المراد: أن الله تقدس وجل وعلا ليس شيئاً يوصف: ضربوا به وجه قائله؛ بل الله سبحانه وتعالى هو نفسه بكل أسمائه وصفاته بمجموعها؛ وهو بجميعها الأول لا شيئ قبله، والآخر لا شيئ بعده؛ لأنه الحي الباقي الدائم غير المعطل من الخلق والأمر والنهي والتدبير فهو الفعال لما يريد يعلمه وعدله وحكمته ورحمته، ولا يشغله شأن عن شأن.
قال أبو عبدالرحمن: ذو الجلال والإكرام والعظمة: لا يكون كذلك إلا وهو الجليل الكريم العظيم في نفسه؛ فالتعبيد بـ(عبدالجليل) صحيح شرعاً، ولقد فرق الراغب الأصفهاني بين الجليل والجلال والجلالة؛ فقال: (الجلالة عظم القدر، والجلال بغير الهاء التناهي في ذلك [المفردات ص 198]؛ والمحقق عندي أن الجليل هو من بلغ الغاية في الاتصاف بهذه الصفة؛ وهو لله الاتصاف المطلق؛ لأن هذا معنى صيغة فعيل؛ وأما الجلال فهو على وزن الفعال بفتح الفاء؛ وهذا الوزن لجمع فعالة مثل سحاب جمع سحابة؛ ولبلوغ الغاية مثل أديم صحاح، واسم لفعل الحدث مثل الجزاز والصرام؛ وكل ذلك على (الفعال) بفتح الفاء؛ وهو هنا لبلوغ الغاية في الجلال؛ ولما كان مصدر جل؛ (وهو جلاً) مختص بالفعل المتعدي أصبح قائماً مقام المصدر في الفعل اللازم؛ لما فيه من معنى الكثرة وبلوغ الغاية؛ فالجلال ههنا قائم مقام المصدر؛ وهو اسم للصفة البالغة غايتها؛ والجلالة أبلغ؛ لأنها لتأكيد بلوغ الغاية بدلالة التاء المربوطة؛ وهي ههنا مثل موقعها في (نسابة)؛ فإن وزن (نساب) لبلوغ الغاية في الفعل، فجاءت التاء في (نسابة) لتأكيد بلوغ الغاية.. وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى مع روائع الجمال, والله المستعان.