د.عبدالله الغذامي
في النسق الثقافي المتوارث تأتي صورة الطفل لتكون محل استهانة، وكأن صغر الجسد يرتبط بصغار معنوي يشمل عقله وذهنه وقيمته الإنسانية، ليس عندنا فحسب بل عند كافة الأمم والثقافات، وعبارة (طفولي) تأتي بالإنجليزية كما بالعربية كوصف لأي تصرف يراد التبخيس فيه (تفكير طفولي، تصرف طفولي، عقل طفولي)، وفي اللهجات المحلية يُشار للأطفال بالجهال، وكلمة الجاهل تحيل للطفل وتصفه، ثم إن هذه الصفات التبخيسية تلحق كل من يتعامل مع الأطفال، مثل عبارة (معلم صبيان) وهو تعبير تبخيسي يقلل من عقل المعلم ويراه طفولياً بناء على أن الطفل كائن قليل المعنى، وقد قالوا في كتب الأدب إن فن الرثاء وفن المدح لا يأتيان عن المرأة والطفل لأنهما بلا صفات والطريف أنهم لم يقولوا إن فن الهجاء لا يأتي عنهما، والثقافات تكتنز بهجو المرأة والطفل، وإذا تعاملت مع الأطفال أو مع النساء فإنك تضع عقلك بمستوى عقولهم، وهذا يقلل من درجة العقل الكامل (المزعوم طبعاً) حتى مجالسة معلم الصبيان تنقص العقل كما نقل الجاحظ لأن معلم الصبيان يصبح مثلهم بما إن المرء من جليسه. كالذي لا يشرب القهوة مع النساء وجرى عن هذه قصة واقعية عن رجل اسمه عبد المعطي، عاش عمراً مديداً وكان له مجلس عامر بالضيوف ومن ديدنه أنه يصنع القهوة لضيوفه بنفسه وارتبط مجلسه واسمه مع القهوة، وحين كبرت سنه وانقطع عن المجالس الرجالية وصار حبيس مجلس النساء في بيته ولهذا منع القهوة في حضرته النسوية، والسبب أنه يرى القهوة للرجال ولا يستقيم مزاج مجلس القهوة ورائحتها وقصصها إلا في حضرة الرجال، أما وقد حبسه كبر سنه في بيته وحصره في مجلس نسائي فإن هذا جو لا يليق عنده بمقام القهوة ولا معزة مجلسها، ولذا امتنع عن احتسائها مع نساء حفظاً لمقام القهوة أن يهون، ويتحمل هو هذا المجلس ولكنه يكرم القهوة عنه، حسب جوابه على كل من سأله عن تاريخه مع القهوة. تلك نسقية ثقافية تصل لدرجة منع الأطفال الذكور من الأكل مع النساء، حتى مع أمهاتهم وأخواتهم، خشية أن ينشأ الولد مع ثقافة مؤنثة.