نادية السالمي
المرأة شاغلة الدنيا ومن فيها، ولا تخلو التجارب الإنسانية من الحديث عن المرأة، فالفلسفة البشرية أولتها اهتمامًا بالغًا، والحكايات والمعضلات الاجتماعية تعوّل عليها في سبب الداء والدواء، وحتى السياسة تتطرق للمرأة بحق وبغير وجه الحق، وهي عند معشر الشعراء أداة الشعر في الظهور والضمور، لهذا لا تخلو الأمثال الخالدة والحكم المؤثرة من الحديث عن المرأة، ولم يغفل الأدباء والحكماء عن دراسة طبائعها ووصفها، فحاكموا المرأة في محاكمتهم لتجاربهم معها، وهذا كثير في المشرق والمغرب كأفلاطون، بلزاك، شوبنهاور، نابليون، ابراهام لنكولن، والبردوني والمتنبي، والمعري، وابن زيدون... والقائمة تزيد مع مرور الأيام، وتكالب الأحداث، وستظل المرأة محط الأنظار والهدف الذي يجب أن يسدده «الإخوة الأعداء» في مرمى الخلاف، والقذيفة التي يجب أن ترمى في حرب الاختلاف، وما حملة «كوني حرة» وأختها في التضليل «كوني درة» إلا نقطة في سيل لن ينتهي حده، ولن نبلغ أمده إلا إذا انتهت الحياة.
الحرية في خطر:
تميّعت في الحرية حروفها، وانسلخت من معناها الجميل إلى معان فيها فساد اللفظ والمعنى، وبالتالي القول والعمل، وساعد على هذا قلة الوعي بمعناها ومقتضاها في الحياة والشريعة، وبات يصدع بها عبيدها كيفما كانت وكيفما جاءت. والإسلام يقر الحرية وفق ضوابط للغوغائية ضابطة، وقواعد على العشوائية ليست غافلة، هادفة تخدم ولا تضر، ورغم هذا الناس في بلادنا لا يخافون من كلمة كما يخافون من كلمة الحرية، ويبلغ بهم الخوف مبلغه حين تقترن هذه الكلمة بالمرأة، ويزعمون أن في الحرية تحرير للمرأة من هوانها كما تزعم فئة أخرى أن في تحريرها هوانها، وحتى لا أبالغ في الدفاع ولا أشتط في الهجوم لا بد أن تُعدّل مفاهيم الحرية، وتعرّف معاني التحرر. والمعنى الحقيقي ينبغي أن يعرّف ويكون إعانة لها حتى تتقدم بدورها، وتأهيلها وتعليمها وتثقيفها، وتخفيف الأعباء عنها وتذليل العقبات لكي تكون أمًا وزوجة وابنة وأختًا يكتمل بها المجتمع ويتشرف بها، لا يتحكم بأمرها من يسومها سوء العذاب، ولا يرغمها على ما لا تريد كائنًا من كان.
حريتكِ الحقيقية:
حملة كوني حرة وكوني درة هدفها واحد وإن اختلف منطق وسلوك الممثلين لها وفيها، والهدف هو خروجكِ من وصاية إلى وصاية ومن هيمنة إلى هيمنة، فلا تنتظري من هؤلاء ولا هؤلاء اعتذارًا واعتبارًا فكلهم يظن في نفسه خيرًا للبشرية جمعاء، وكلهم يظن أن لديه رسالة يجب أن يوصلها بما يملك من هذه الأدوات الحديثة، والبرامج الجديدة، والجدير بكِ أن تكوني أنتِ لا غيرك، اهتمي بوعيك، عملك وبناء ذاتك ودعي هؤلاء يستميتون في حراكهم الحربي، ولك في العالمة»غادة المطيري» أسوة حسنة فهي لا تُلقي بالًا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وفي القديم من الزمان الشاعرة والأديبة «عائشة تيمور» أرادوا لها أن تتعلم الخياطة وحكموا أن هذا هو الأصلح لها ولكل أنثى في زمانها، فأبت إلّا أن تكون صاحبة قلم في زمن لا يدرس فيه إلا الذكور، وها هو التاريخ لم ينسَ عائشة التي خالفت مجتمعها ورغبة أمها فرضخ لها أبوها وتعلمت علوم القرآن والفقه والنحو والفارسية والتركية وقد قال عنها العقاد: «وشعرها يعلو إلى أرفع طبقة من الشعر ارتفع إليها أدباء مصر في أواسط القرن التاسع عشر».