قاسم حول
من مجموع عشرات الأفلام المشاركة من عموم بلدان المتوسط، اختارت لجنة المهرجان 23 فيلماً لدخول المسابقة، وبعد أن شاهدت لجنة التحكيم المكونة من..... توصلت بعد نقاشات مستفيضة للجوانب الفكرية والفنية الجمالية للأفلام، وكذلك ظروف الإنتاج لكل مخرج في كل بلد، منحت الجوائز الثلاث للأفلام التالية:
1 - الجائزة الذهبية لفيلم «طريق الديدان» للمخرج المغربي الغالي قريميش.
2 - الجائزة الفضية لفيلم «شمندفر» للمخرجة التونسية هدى مذاحي.
3 - الجائزة البرونزية لفيلم «اللامرئي» للمخرج الجزائري هاني محمد نصر الدين.
فيلم طريق الديدان «الحائز على ذهبية المهرجان» للمخرج المغربي «الغالي قريميش» يعرض شخصية ثقافية مرهفة يهيم في فن التشكيل ويعيش في غرفة مستأجرة، وهو يعرف نهايات كل الأشياء الإنسان والمخلوقات، ويعاني من غربة الموت والخوف منه، ذكرني بغربة الشخصية الإسطورية «كلكامش» يوم مات صديقه «أنكيدو» وشاهد الديدان تنخر جسده القوي. حاول المخرج أن يفسر فلسفة الحياة والموت. ولولا وقوعه في خطأ استعمال الصوت وإعلان المباشرة عن رأيه عبر قراءة مقاطع أدبية عن نهايات الإنسان لشكَّل الفيلمُ قيمةً فنية وشاعرية عكستْ المضمون نفسه دون الحاجة للأداء الصوتي. كنت أخاف أن يتحول الفيلم إلى فيلم صوتي إذاعي، لكنه تخلَّص من التعليق الصوتي بعد الدقائق الأولى من الفيلم، ولكن هذه الهنة الفنية لم تقلل من أهمية تجربة المخرج في تحقيق عمل فني جميل يتسم بالشاعرية السينمائية. ثمة ملاحظة، أن التفكير بلقطات عن الديدان بمعنى النهاية ليست ضرورية، لأنها تعلن عن المباشرة في الوقت الذي فكرة النهاية والحياة والموت هي فكرة وجودية أكثر منها مادية. ومع ذلك فإن في الفيلم من المستويات الفنية في الشخصيات وطبيعة أدائها ما يعبر عن ولادة مخرج من جيل الشباب الذي يتجاوز بإنجازته في السينما السينما التقليدية.
الفيلم الثاني، وهو فيلم «شمندفير» وقد حاز الجائزة الفضية. ويصوِّر صبياً يهوى السينما ويعثر على معدات عروض قريبة من طريق القطار ويأخذها إلى المنزل، ويشاهد أفلاماً كانت محفوظة في علب ليرى أفلام كبار المخرجين على فيلم قياس ثمانية ملمتر. يعرضها على جدار وليس على شاشة. الفيلم يحتوي على مفردات سينمائية عرفت السينمائية الجديدة والمجددة هدى مذاحي كيف تستثمرها وتكرسها من أجل تحقيق هدف الفيلم. كما قدمت الفيلم بكثير من الحرفية فيما الفيلم قد يكون تجربتها الأولى في السينما.
الفيلم الثالث، هو فيلم «اللامرئي» لمخرجه الجزائري «هاني محمد نصر الدين» وهذا الفيلم أقف أمامه بإعجاب شديد وهو يصور حالة طفل متسكع ينام على الأرصفة فوق المصطبات. ويبدو أنه من دون عائلة يلجأ إليها. يصوره لنا الفيلم وهو في يحظى بالرعاية من قبل بائع التفاح الذي يبيع في عربته قريباً من المصطبة التي ينام فيها الطفل ليلاً، فيهديه تفاحة وأينما حل ترعاه الناس. يأخذه زوجان يريدان تناول الغداء في مطعم ويشاركهما الطاولة ويتغدى معهما. ثم يمر على مقهى لبيع الأيس كريم فينظر من خلال الزجاج ويرى الناس يتناولون الآيس كريم فيشيرون له بالدخول إلى محل بيع الإيس كريم ويدعونه على صحن من الآيس. ثم تعاد القصة كاملة منذ البداية. بائع التفاح يشير له بعدم الاقتراب من العربة. الزوجان يطردانه حين يطلب المساعدة منهما وهما ذاهبان لتناول الغداء، ومحل بيع الأيس كريم يخرج العامل وينهره للابتعاد من المكان. القصة تجري مرة ثانية بعكس القصة الأولى تماماً. في نهاية الفيلم نسمع صوت سيارة الإسعاف بعد أن يكتشف الناس أنه ميت فوق المصطبة. فيلم إنساني أخذني بلغته السينمائية ودقة تعبيره وأداء الطفل الساحر في الفيلم. فيلم مقنع ومؤثر وشاعري.
هذه هي الدورة الأولى لمهرجان «مشكاة الأنوار» التي سلطت الأضواء على تجارب بلدان البحر المتوسط. واكتشف المهرجان وكشف عن تجارب شابة ليست في تونس فحسب بل في كل بلدان المغرب العربي. ليس من السهل أن يحظى أي مهرجان بالنجاح في دورته الأولى، ولكن هذا المهرجان حظي وحقق نجاحاً كاملاً. على الأقل في الجوانب المتعلقة باختيار الأفلام ومستوى لجنة التحكيم التي حاكمت الأفلام بموضوعية كبيرة، سواء من الناحية الفكرية أو الفنية الجمالية. مهرجان جمهوره طلبة الكلية ما يعزز مستوى التلقي الذي يطمح فيه المخرج أن يحظى بجمهور يتمتع بإبداع التلقي الذي لا يقل أهمية عن إبداع المنتج. النجاح الذي حققه المهرجان حفز إدارة الكلية على التحضير للدورة الثانية منذ الآن من أجل تعميم الثقافة السينمائية واعتبارها حصة من حصص الجامعة. ولعل مبدأ الورش السينمائية في كتابة السيناريو والتصوير والإنتاج. هذه الورش اعتمدتها الدورة الأولى بشكل محدود، حبذا لو تطورت في الدورات السابقة. لأن ورشات العمل تؤهل الطلبة بشكل علمي وأكاديمي لخوض التجارب السينمائية الواعدة.
تبقى ثمة ملاحظة بصدد كل المهرجانات السينمائية للأفلام القصيرة التي ينتجها الشباب. إن ثمة تسطيح في كثير من الأحيان في تحليل الواقع وقراءته، فالسينما ليست تقنية. السينما هي عملية ثقافية متكاملة. فالسينمائي إذا لم يكن شاعراً لا يمكنه أن يحرك الكاميرا ويرسم الضوء، وإذا لم يكن تشكيلياً يتعذر عليه بناء الكادر السينمائي بقيمة جمالية، وإذا لم يكن قاصاً وروائياً يتعذر عليه فهم بناء القصة وبناء السيناريو.. العملية السينمائية هي عملية ثقافية كاملة، وما التكنيك سوى الجانب البسيط في عملية الإبداع السينمائي.