سعيد الدحية الزهراني
عشرة أعوامٍ منذ أن رحلت ياصديقي وفاجعة رحيلك كأنها الآن..إلى هذه اللحظة وأنا أحمل الذنب.. ذنب أنني كنت واحداً من مجتمعٍ نسي أن يتذكرك! كنت مثلهم منشغلاً بذاتي.. مثلما هي الذات الاجتماعية منشغلة ببهارجها..
إلى هذه اللحظة وصقيع تلك الليلة التي رحلت صبيحتها ياصديقي في عظم دمي.. كأن تلك المدفئة التي ماتت قبلك ما تزال تشعل لهيبها في صدري إلى الآن.. قطعة الرغيف التي أطعمت أفواه النمل أتذوقها في فمي الآن.. تلك الغرفة الباردة التي كانت قبرك في الحياة.. تستعمر روحي ولم أملك أن أغادرها منذ عشرة أعوام..
صديقي كان مثلي ومثل كل الأطفال في تلك القرية.. نشأنا نحلق مع الطيور في الحقول وفي بساتين العنب، كان صديقي مثلنا جميعاً يحلم بالفرح.. كان أجملنا كان كريماً مثل المطر.. وكان اسمه أول الأسماء في كتاب الحب.. كان يتيماً وبفقدين كبيرين أحكم الحزن قبضته على قلبه.. فكان المسافر الأول بيننا..
حين سافر كان ضيفاً ثقيلاً على صدر المدينة.. مثلما لو كان سيقضي هذا الضيف النبيل على قوت أهل المدينة.. أو كأنه كان سيستأثر ببهجة المترفين فيها.. حاول كثيراً توسل المدينة واستدرّ عطف تدهّمها لكنها أبت بعد مراتٍ ومرات.. إلا أن تمنحهُ البائت من طعامها.. وحين أتعبها صبراً وعزةً حرمتهُ ذلك الفتات.
يحدثني صديقه الأخير عن تفاصيل ماقبل الرحيل.. عن أيامه الأخيرة وعن جوعه وحاجته وعن أي خيبةٍ كانت تطعن وقته والباقي من ذكرياته.. من حينها إلى هذه اللحظة على امتداد عشرة أعوام وأنا لم أملك أن أغفر لنفسي ولمجتمعي ذنب التجهم في وجه الضيف.. الضيف الأبيض العزيز الكريم.. حين لم نبادر بكرم الضيافة: الضيافة للصديق ولابن القرية لحلم الشاب وللإنسان.. وحين أيقن ضيفنا بأن الشح هو سيد القلوب والأرواح والمشاعر اختار في تلك الليلة الباردة حد الصقيع أن يغادر هذه الحياة ليكون ضيف الله..
لك ضيافة الله وكرمه ياصديقي.. وجنته التي لاجوع فيها ولا وجع..