هاني سالم مسهور
بشكل مفاجئ أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إجراء انتخابات عامة مبكرة في يونيو 2017م، وفيما جاء هذا الخبر كالقنبلة في وجه أنصار حزب المحافظين الذي تتزعمه وأحزاب المعارضة وقادة بروكسل واسكتلندا وإيرلندا وويلز فإن ما فعلته تيريزا ماي هو الفعل السياسي الذي تجيده القوى السياسية الصارمة التي تصف هذه الدعوة بأنها (انتهازية) سياسية تحقق الضربة القاضية لخصومها في حزب العُمال وتحصد الحشد الأوسع خلفها لخوض معركتها مع الاتحاد الأوروبي.
شهدت بريطانيا الكثير من الخلافات بين الأحزاب السياسية التي أظهرت وجود فجوة كبيرة بشأن المؤيدين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي والمناصرين لفكرة الخروج منه، هناك انقسام شديد في مجلس العموم يحول دون تنفيذ إجراءات البريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، انقسام كبير بين الأحزاب السياسية في التعامل مع مستقبل الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد، لاسيما وأن تداعيات نتائج استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد كانت شديدة إلى حد بعيد، خاصة على المجال الاقتصادي.
رئيسة وزراء بريطانيا ماي وجدت من قادة الاتحاد الأوروبي صرامة قوية مع تفعيل المادة 50 ، الرفض التام الذي أبداه زعماء الاتحاد الأوروبي لأي مساومة بشأن حقوق دخول السوق الأوروبية الموحدة، حيث كان موقف معظم الدول الرئيسية في الاتحاد صلباً في منع خروج بريطانيا بيسر وسهولة دون التعرض لهزة اقتصادية، قد تصل لحد الكارثة، بسبب خشيتهم من أن يؤدي ذلك إلى تفكك الاتحاد الأوروبي وانهيار منطقة اليورو وتبعات هائلة على الاقتصاد العالمي، وكان من الواضح أن زعماء دول الاتحاد لن يتزحزحوا عن موقفهم، ولن يقدموا لبريطانيا أي تنازلات، وبدا أن بروكسل مجبرة على معاقبة لندن، لكي تكون عبرة لجميع الانفصاليين، في حين لم تجد تيريزا ماي مفرّاً من الدعوة لانتخابات عامة؛ لأن رصيدها السياسي لا يكفي لاتخاذ أي خطوات كبيرة تكون لها تبعات وخيمة على الاقتصاد البريطاني.
الاسكتلنديون الذين يحاولون الحصول على استفتاء جديد يحقق لهم البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي أصبحوا بعد أن تقدمت تيريزا ماي بتقديم الانتخابات يشعرون بتضاؤل فرصتهم للخروج من المملكة المتحدة، ولعل زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي نيكولا ستورجين تشارك حزب العُمال الخشية من حسم حزب المحافظين للانتخابات القادمة، فما ستحصل عليه تيريزا ماي في حال حققت الفوز سيعني إضعافاً لخيارات الاسكتلنديين الراغبين بالانفصال، كما سيعطي مزيداً من القوة ناحية مواجهة استحقاق البريكست الذي من الواضح أن بريطانيا باتت وهي تعيد سياستها مع دول الخليج العربية في طريقها نحو إتمام خروجها من الاتحاد الأوروبي ورسم مشهد سياسي عالمي مختلف.
تداعيات خسارة تيريزا ماي الانتخابات ستكون كارثية على حزب المحافظين وعلى ماي ذاتها، لا سيما وأنها ستدخل بريطانيا في نفق سياسي مظلم، وستعيد المربع إلى نقطة الصفر، حيث سيكسب معسكر البقاء في الاتحاد أرضاً جديدة تؤهله لإعادة طرح قضية إجراء استفتاء جديد على خروج بريطانيا من الاتحاد وطرحة للنقاش مجدداً، كما سيعزز فرص دول الاتحاد الأوروبي في التأثير على القوى السياسية المعارضة، وسيزيد كثيراً من وتيرة دعم أوروبا لها.