د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
السعودية واحدة من عدد قليل من البلدان التي لا تزال تحرق النفط الخام لتوليد الكهرباء، وإذا ما استمر الاعتماد على النفط والغاز فسيصل الاستهلاك إلى 8.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2028، أي ما يعادل 70 في المائة من إجمالي إنتاجها، حيث سيرتفع الطلب على الكهرباء من نحو أكثر من 65 جيجاوات 2015 إلى 120 جيجاوات عام 2032.
استهلكت المملكة في عام 2015 نحو 200 مليون برميل سنويا من النفط لتوليد الكهرباء، فيما استهلكت السيارات والنقل نحو 700 مليون برميل سنويا، بنحو 2.5 مليون برميل في اليوم، وتستهلك المملكة نحو 400 ألف برميل في اليوم من سوائل الغاز الطبيعي للاستخدام المنزلي وللصناعات البتروكيماوية، أي أن إجمالي ما تستهلكه المملكة نحو 3 ملايين برميل يوميا.
إلى جانب استهلاك كل إنتاجها من الغاز البالغ 11.6 بليون قدم مكعبة في اليوم، تعادل هذه الكمية 2.1 ملايين نفط مكافئ، يتوزع بين صناعة النفط والغاز وصناعة البتروكيماويات، أي أن مجموع ما تستهلكه المملكة 5.1 ملايين برميل يوميا، وارتفع استهلاك المملكة ما بين عامي 2014 و2015 إلى 150 ألف برميل يوميا، ولكن يبقى الارتفاع الكبير في الاستهلاك الداخلي للطاقة في المملكة أكبر التحديات التي تواجهها صناعة الطاقة.
في المرحلة الأولى اتجهت السعودية نحو رفع الطاقة الإنتاجية من الغاز من 17.8 مليار قدم مكعبة يوميا من 12 مليار قدم مكعبة الآن مرتفعا من 6 مليارات قدم مكعبة عام 2000 ورفعها إلى 23 مليار قدم مكعبة خلال العقد المقبل.
تبلغ احتياطيات السعودية من الغاز 297.6 تريليون قدم مكعبة لكنها تأتي خلف المنافسين مثل قطر والولايات المتحدة وروسيا وهي ثامن أكبر منتج للغاز في العالم عام 2015، ولكنه يكفي لمدة 70 عاما إلى جانب احتياطيات أخرى من الغاز الصخري مرتفع التكلفة، واحتياطيات أخرى في البحر الأحمر.
ووفق وكالة الطاقة الأميركية والتقرير الإحصائي السنوي لشركة بريتش بتروليوم فإن استهلاك المملكة للنفط والغاز يأتي في المرتبة الخامسة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا واليابان.
رؤية المملكة العربية السعودية للطاقة المستدامة واستراتيجيتها وآلياتها في تنفيذ ذلك جعلتها حجر الزاوية لاستدامة الطاقة في المنطقة كلها، فاتجهت نحو بناء 16 مفاعلا نوويا خلال العقدين القادمين بتكلفة 300 مليار ريال لإنتاج 18 جيجاوات من الكهرباء بالإضافة إلى 40 جيجاوات من الطاقة الشمسية، 16 جيجاوات من خلال استخدام الخلايا الكهروضوئية، وما يعادل 25 جيجاوات بالطاقة الشمسية المركزة، ونحو 9 جيجاوات من طاقة الرياح.
مفهوم كفاءة الطاقة والترشيد لم يعد ترفا، بل ضرورة ملحة لاستمرار الطاقة الكهربائية بأسعار منخفضة وللمحافظة على المصادر الأولية (النفط والغاز) من النضوب، ليست المشكلة فقط في متوسط استهلاك الفرد السعودي من الكهرباء التي تصل إلى 8.23 كيلوات الذي هو ضعف المتوسط العالمي، لكنه يأتي بعد كندا بنحو 15.5 كيلوات، ثم الولايات المتحدة بنحو 12.9 كيلوات، والسويد والنرويج قريب من استهلاك الفرد في الولايات المتحدة.
حسب منظمة الصحة العالمية يستهلك الفرد السعودي من المياه المحلاة 256 لترا، ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي البالغ 83 لترا في اليوم تأتي السعودية بعد أميركا وكندا لكن السعودية بلد صحراوي، وتحلية المياه مكلفة تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، بينما في الولايات المتحدة وكندا مصدرها من مياه الأنهار أو من المياه المتوافرة بكميات وفيرة.
إلى جانب تحدٍّ رئيسي يواجه قطاع الكهرباء هو أن نحو 45 في المائة من الأحمال تبقى معطلة خلال فترة انخفاض الطلب في الشتاء هذا إلى جانب أن الكهرباء بحاجة إلى إيصالها إلى مناطق نائية غير كثيفة بالسكان مما يتسبب في رفع تكاليف نقل الكهرباء، ما يجعل الطاقة الشمسية أحد الخيارات المهمة، لأن سعر إنتاج كيلوواط من الطاقة الشمسية عالميا يعادل نصف المنتج عبر الوقود الأحفوري، وستتغلب على الشبكات التقليدية في توزيع الكهرباء خصوصا في المناطق النائية بنفس الطريقة التي تم الاستغناء عن مد شبكات خطوط الاتصالات الأرضية وحولتها مباشرة إلى الهواتف النقالة.
ووجدت شركة الكهرباء أن الجهد الجماعي من خلال الربط الكهربائي الذي يتميز بمنظومة الطاقة الإقليمية والعالمية بدءًا بمنطقة مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، امتدادًا إلى منطقة الاتحاد الأوروبي المجدي اقتصاديا.
إدخال الطاقة المتجددة إلى خليط الطاقة في المملكة يعتبر إحدى أهم الخطوات التي أقدمت عليها المملكة، ويعتبر مشروعا وطنيا عملاقا، التي تتكامل مع رؤية المملكة التي تستهدف رفع طاقة التكرير إلى 10 ملايين برميل يوميا حتى تتغلب على أزمة انخفاض أسعار النفط الخام نتيجة ارتفاع المخزونات من النفط الخام، لكن رفع طاقة التكرير التي بحاجة إلى استثمارات كبيرة لن تتمكن الدول المنتجة من تحقيق هذه الاستراتيجية.
خصوصا أن السعودية الأكثر استثمارا في محطات التحلية وهي تتوقع الانتهاء من 16 محطة بحلول عام 2030، ونحو 62 في المائة من المياه المستخدمة محليا من محطات التحلية، وهي بحاجة إلى استثمارات تقارب 200 مليار ريال خلال 5 سنوات، بسبب أن الطلب على المياه يسجل زيادة سنوية بأكثر من 5 في المائة سنويا، لذلك تستهدف الدولة توفير 52 في المائة من المياه المحلاة عبر شركاء استراتيجيين بحلول عام 2020.
دشنت السعودية أكبر محطة تحلية في العالم تغذي الرياض والشرقية بمليون متر مكعب يوميا وهي تستخدم تقنيات تستخدم للمرة الأولى في العالم، حيث تعتمد المحطة على التقطير الوميضي متعدد المراحل بنسبة 70 في المائة من إنتاج المشروع فيما تنتج تقنية التناضح العكسي الـ30 في المائة الباقية، فيما يبلغ إجمالي عدد المحطات في المملكة نحو 18 محطة موزعة على الساحلين في 17 موقعا تنتج 6.6 مليون متر مكعب، تمثل 54 في المائة خليجيا ونحو 22.2 في المائة عالميا، والمحطات ثنائية الإنتاج تنتج كهرباء بنحو 7.173 جيجاوات تمثل 12 في المائة من إجمالي الكهرباء المنتجة في المملكة.
لذلك ستعتمد السعودية مزيدا من الحلول الذكية لتنويع مصادر المياه والطاقة ورفع نسب مساهمة التقنيات والمصانع المبتكرة في الناتج المحلي، وبعد إطلاق الدولة محطة تحلية مياه بتقنية الامتصاص أنشأت مصنعا لإنتاج وتجميع العواكس الكهربائية في العيينة.
كما دشنت منظومة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في الرياض في 13-4-2017 في الرياض المسار السادس والأخير في حملتها التعريفية بمبادراتها التي يبلغ عددها 113 مبادرة ضمن برنامج التحول الوطني 2020 تحقيقا لرؤية المملكة 2030 الذي يحمل مسار تنويع مصادر الطاقة من أجل التوصل إلى تحقيق الاستخدام الأمثل لمزيج الطاقة وهي من ضمن 755 مبادرة تشمل مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي ينتظر تحول المملكة نحو العصر الرقمي، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتوليد الوظائف، وتعظيم المحتوى المحلي.
يواكب هذه المبادرات توطين تقنيات الطاقة المتجددة بجانب توطين صناعة الطاقة في مدينة ينبع الصناعية، بالشراكة مع مدينة الملك عبدالله للطاقة المتجددة من أجل إجراء دراسات جدوى لاستقطاب هذه الصناعات التي تسهم في تنويع الصناعات التكاملية ذات القيمة المضافة، حيث تعدد الصناعات المتعلقة بالطاقة المتجددة من الصناعات ذات التقنيات الجديدة التي سترفع القيمة المضافة للمنتجات الأساسية والثروات الطبيعية المتوافرة محليا.
هذه المبادرات ستؤدي إلى تخفيض كمية انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بمعدل ثمانية ملايين طن سنويا كما ستوفر 18 مليون برميل زيتا مكافئا سنويا بحلول عام 2020 حسب تصريح رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة المهندس هاشم يماني.