د. حمزة السالم
تتجاوز قيمة السندات المتداولة يومياً، في السوق الأمريكية وحدها، مبلغ الألف مليار - أي تريليون -، وذلك مقابل 150 ملياراً قيمة تداول الأسهم. وتبلغ قيمة الإصدارات الجديدة سنوياً في السوق الأمريكية من السندات، ما يقارب سبعة تريليونات دولار. وذلك مقابل إصدارات أسهم جديدة بقيمة 300 مليار فقط. وقد قاربت قيمة السندات في السوق الأمريكية مبلغ أربعين تريليون دولار، أي أكثر من نصف قيمة الإنتاج العالمي جميعاً.
وأما المشتقات، فمشتقات الديون تبلغ قيمة عقودها مبلغ خمسمائة تريليون. أي انها غالب قيمة المشتقات - بنوعيها: التحوط السلبي والتحوط الإيجابي - ، والتي بلغت قيمة عقودها سبعمائة تريليون - أي عشر أضعاف قيمة الإنتاج العالمي.
فلماذا يغلب زعيق الأسهم وجلجلة في العالم كله، على الأسواق، رغم أن الأسهم تشكل نسبة ضئيلة من تمويل الشركات، (فمثلاً الأسهم تشكل 5 في المئة من تمويلات الشركات في اليابان، و11 في المئة في أمريكا).
الربح اللا محدود للملكية هو من يجعل للأسهم غلبة الصوت، والاهتمام، والربح اللا محدود للملكية كذلك، هو الذي جعلها نسبة صغيرة من حجم أسواق المال.
فصاحب المشروع الناجح أو الشركة الناجحة، متى تبيّن نجاحها وظهر، لا يريد مشاركة الغير في فرصة ربحه اللا محدودة.
وهذه حقيقة إِنسانية في تعاملها مع السوق. ولهذا كانت هذه الحقيقة من أسباب وضع القوانين التفضيلية للشركات العامة، لإجبار مُلاك الشركات على إشراك الناس معهم في نجاحاتهم عن طريق الطرح العام، ولهذا لا تطرح الشركات من ملكياتها، إلا أقل الحد المطلوب الذي به تتحصل على مزايا هذه القوانين التفضيلية.
فالتمويلات سواء عن طريق السندات والبنوك، هي وسيلة المُلاك لمنع المدخرين، أصحاب الثروات النقدية، من مشاركتهم ربحهم اللا محدود للملكية. فالمُلاك يُشركون أصحاب الثروات النقدية في ربح قليل محدود، لا يتعدى الفائدة، مقابل مخاطرة لا محدودة، قد تأتي على تمويلهم كله فتستنفذه جميعه، اللهم انها لا تطالهم حتى تستنفذ المُلاك. وهذا عدل. فالإفلاس ناتج عن المُلاك لا عن الممولين.
فغلبة حجم الديون على الملكية هو سبب طبيعي، من سنن الله، فالناجح لا يريد ان يشاركه الغير في فرص نجاحه. ولهذا السبب الطبيعي فإنَّ مشروعاً ناجحاً لن يرضى مالكه ان يشاركه الآخرون، مهما قيل عن نجاح البعض في الاستحواذ على شركات ومشروعات ناجحة اضطرت لبيع نفسها. وخاصة، إذا كان الاستحواذ لشركات أجنبية. فلنفس السبب الفطري الطبيعي في حب استئثار الربح اللا محدود، فلا الدول ولا التجار المحليون سيتركون أجنبياً يشتري شركة أو مصنعاً رابحاً وناجحاً في بلادهم. فضلاً عن ان شراء شركات أجنبية ومحال تجارية ومصانع في دول أخرى فيه عوائق جوهرية، بجانب العوائق السياسية والسيادية.
والحالات التي يمكن أن يشارك المالك غيره في فرصة ربحه اللا محدود فيبيعه حصة من ملكه، كأن يكون الشريك الجديد قادراً فنياً وإدارياً أو سياسياً على تطوير الشركة، أو على إنقاذ مشروعه الناجح المتعثر إدارياً، أو الاستفادة من أملاكه أو عملائه أجنبياً كان أو محلياً، أو لقصد التوسع الاستراتيجي، أو كأن يكون كلاهما، ناجحاً وقوياً أو مكملاً لغيره، أما مجرد بيع المالك استثماره الناجح من أجل المال فقط، فهذا لا وجود له في عالم الاستثمار والأعمال. لأن الناجح يلجأ في حاجته التمويلية لأسواق الديون الضخمة، التي تستقبله هاشة باشة.
ويكفي أنه لو كان شراء الاستثمارات الناجحة دون ميزة تنافسية عند الشريك الجديد، أمراً ممكناً، لما تفوقت سوق السندات والديون على سوق الأسهم بعشرات المرات.