محمد سليمان العنقري
حملت وثيقة برنامج التوازن المالي باباً خاصاً لدعم القطاع الخاص لتحقيق عدة أهداف اولها تجاوز اثار رفع الدعم عن الطاقة والمياه وكذلك الرسوم الاخرى للخدمات البلدية، وايضا تكاليف العمالة، فبعد تراجع اسعار النفط منذ اكثر من عامين شهد القطاع الخاص تراجعاًحاداً بتأثيره بنمو الناتج المحلي وصل حد الركود كنتيجة طبيعية لترشيد الانفاق الحكومي وتغيير واسع بتوجهات الإنفاق العام نحو سياسة مالية متشددة هدفها رفع كفاءة الانفاق تماشياً مع تراجع ايرادات الخزينة من النفط الذي تراجعت أسعار بأكثر من 50 %.
لكن بالنظر الى ما خصص ببرنامج التوازن المالي من سياسات دعم للقطاع الخاص يتضح انها تتركز خلال الاعوام الثلاث القادمة على مساندة المنشآت ذات الكثافة العالية باستخدام الطاقة والمياه، وكذلك العمالة، لأنها ستتأثر بنسب كبيرة مع رفع التكاليف، مما تطلب دراسة لوضعها ووضع برامج تحفيز عديدة منها تمويلها لاستخدام التقنية التي تقلص تكاليفها وترفع كفاءتها، التشغيلية بالإضافة لوضع عدة محاور لدعم القطاع الخاص وهي «سهولة ممارسة الاعمال، تعزيز الاستثمار المحلي، جذب الاستثمار الاجنبي المباشر، رفع كفاءة سوق العمل، الغاء التشريعات المعيقة للنمو، رفع كفاءة التنافسية « فكل محور يمثل عملاً كبيراً تتولاه الجهات المعنية فيه وليس جهازا واحدا، خصوصاً أن من بين الافكار تغييرا بسوق العمل نحو سهولة تنقل العمالة الوافدة بين المنشآت، وهو ما يعني تغيراً واسعاً بنظام الكفيل وايجاد سوق تنافسية داخلية على العمالة بعيداً عن الاعتماد على الاستقدام بشكل اساسي اضافة لتطوير الانظمة بسهولة الاعمال التي مازلنا نحتل بها مرتبة متوسطة عالمياً وفق مؤشر البنك الدولي.
أما الاهداف نحو رفع دور القطاع الخاص بالناتج المحلي من 40 الى 65 % فهو يتطلب دعماً تمويلياً كبيراً وهو ما جاء بالبرنامج من تخصيص حوالي 200 مليار للتمويل بقطاعات رئيسية مستهدفة لتكون داعمة لتنمية اقتصادية مستدامة كقطاعات التعدين والسياحة واللوجستية وغيرها التي يعول عليها ان تولد فرص عمل كبيرة للمواطنين ومجزية لتقليص نسب البطالة الى 9 % عام 2020م، اضافة لطرح مشاريع كبرى بالفترة القريبة القادمة لاعادة تنشيط الاقتصاد وتحفيز القطاع الخاص مثل مشروع القدية الترفيهي الضخم، وكذلك مشاريع الطاقة المتجددة التي بدأت خطواتها الفعلية الاولى تظهر، يضاف لها مشاريع الاسكان في حال تسريع الخطوات لتنفيذها وازالة العقبات التي تواجه المطورين.
فمع تركيز الرؤية على دور القطاع الخاص، جاءت الابواب التي خصصت ببرنامج التوازن المالي لدعمه بأبواب مباشرة وغير مباشرة، خصوصاً أن البطالة ارتفعت الى 12،3 % كثاني اعلى معدل لها خلال آخر عشرة اعوام، مما يعني ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لتحفيز الاقتصاد وتسريع تنفيذ ما جاء بالبرنامج، حيث نقلت وكالة بلومبيرغ العالمية تصريحاً منسوباً لمعالي وزير المالية يتحدث فيه عن احتمال تقديم تمويل يقارب تكلفته الصفر للقطاع الخاص وتحديدا للمنشآت التي تولد وظائف باعداد كبيرة خلال هذا العام وهو ما قد يكون جزءًا من برنامج التمويل المذكور بالتوازن المالي خصوصا ان الاتجاه حالياً نحو التوسع بقطاعات ترفع من معدلات التصدير للسلع غير النفطية كالتعدين وأيضا زيادة المحتوى المحلي باتجاهين الاول للسوق المحلي وما يحتاجه من سلع وخدمات وكذلك للتصدير الخارجي بحيث ترتفع نسبة المحتوى الى حوالي 50 % من مستوياتها المتدنية حالياً، حيث بلغت فاتورة الواردات لعدة اعوام بمتوسط لا يقل عن 500 مليار ريال، وهو ما يعادل 25 % من الناتج المحلي، وتعد نسباً عالية وتشكل فرصاً كبيرة لجذب الاستثمارات والانتاج محلياً، مع توفر الكثير من السلع والخامات محلياً والتي تتطلب جهودا ترفع حجم الاستثمار بالقطاع الصناعي مع توفر عشرات المدن الصناعية بمختلف مناطق المملكة.
الاهداف الرئيسية الثلاثة للتحفيز والنهوض بالقطاع الخاص ليكون هو قائد النمو الاقتصادي كاحد اهم اهداف الرؤية تتلخص « بتحفيز نمو القطاع الخاص غير النفطي ليصبح اقل اعتمادا على النفط، وزيادة المحتوى المحلي وبناء صناعة محلية تنافسية، وتحسين ميزان المدفوعات من خلال زيادة الصادرات غير النفطية، لكن تحقيق ذلك يتطلب الانتقال للتنفيذ وبتكامل ومرونة من قبل كافة الاجهزة المعنية، على ان يسبقها تحليل دقيق يقيس قدرة القطاع الخاص بكل نشاط على تحمل ارتفاع التكاليف، وكذلك فهم كامل لواقع المنشآت ومستوى كفاءتها التشغيلية، وكذلك الانظمة التي تحد من تجاوب القطاع الخاص مع المتغيرات حتى لو تطلب ذلك تمديداً لسنوات تغيير التكاليف لان الهدف بالنهاية ان يصل القطاع الخاص لكفاءة عالية ويكون داعماً للتحول الاقتصادي وليس عبئاً عليه.