د.ثريا العريض
تتصاعد في تويتر مطالبة السيدات السعوديات بفرص التوظيف وبتمكينهن من اتخاذ قرارات حياتهن.. وهي حلقة في تغير ممتد زمنياً.
لم يبدأ تعليم المرأة في السعودية بالصيغة الحديثة حتى منتصف الستينات الميلادية, أي قبل قرابة 6 عقود, متأخرة عن دول الخليج الأخرى. ولقي في البدء معارضة مجتمعية مفهومة, تغلب عليها القرار السياسي الحازم لفتح مدارس البنات أسوة بالفتيان. ولتهدئة توجس المتخوفين استحدثت رئاسة تعليم البنات وأوكلت إدارتها إلى جهة دينية رسمياً. ومع أن ذلك كان ذلك في وقته قراراً حكيماً استوعب توجس المجتمع, فبهذا الربط، خلال عقدين أصبح تعليم الفتاة أمراً مقبولاً من المتوجسين وهم الغالبية, وإن ظل يحمل بذرة الجدل المجتمعي مستقبلاً حول خيار ما بعد التخرج من المدرسة -ولاحقاً الجامعة-؛ حيث المعتاد المتقبل هو أن تكون فقط ربة بيت مسؤوليتها تدبير المنزل وإنجاب الأطفال والعناية بهم وخدمة الأسرة، بينما الرجال منشغلون بكسب الرزق. وزاد الإشكالية أن التخصصات المفتوحة لتقبل المجتمع بالنسبة للمرأة وعملها ظلت محصورة في الخدمات التعليمية والطبية بل اشترط البعض أن لا تقدم هذه الخدمات إلا للإناث. ما يعني أن مساهمة المرأة كطاقة عاملة حصرت في هذا الإطار.
عقد الثمانينات حمل مجموعة من التغيرات التي أثّرت في المجتمع ككل وفي أوضاع المرأة بالذات: لعل أهمها قفزة دخل الدولة ريعياً من تصدير النفط, والطفرة المادية التي نتجت عن ذلك جعلت تأسيس البنى التحتية مشروعاً ممكناً, تنفيذه يعتمد على استقدام المهارات البشرية من الخارج لعدم توفرها في المواطن, وأدخلت اليد العاملة المستوردة بالملايين. توفر المال من مصدر ريعي أبطأ نمو الاقتصاد القائم على جهد ومساهمة المواطن إلا بصورة شكلية ومحدودة, وعمل المرأة لدعم اقتصاديات الأسرة أو الدولة أمسى بطبيعة الحال يصنف أمراً ليس من الأولويات بل غير ضروري؛ أضف إلى كل هذه الخلطة تأثير مستجدات أحداث المنطقة والجوار دينياً: ثورة الخميني في إيران ومواجهة جهيمان العتيبي في الحرم دفعتا الرأي والقرار الرسمي لمواجهة مباشرة ثم اعتمدت سياسة التهادن مع الفكر اليميني ما أدى إلى تنامي التيار المتشدد, وتصاعد نشاطه لاجتذاب المجتمع وإخضاعه لضغوط القولبة الفكرية, ما مكنه من التغلغل في أسلوب الحياة ومناهج التعليم وقيم الشارع, وأبطأ نمو حراك المجتمع علمياً, وحركة التطوير التي بدأها الملك المؤسس عبدالعزيز. وبإيقاف برنامج الابتعاث للدراسة شُلّت حركة التواصل مع المستجد العلمي العالمي إلا قليلاً. وأمسى مجال التعليم يجتر منتجه ويحشى بالكثير من الأدلجة ضمن ما عرف بالمنهج الخفي.
وكان التأثير على الفتاة السعودية الطموحة مضاعفاً, خاصة حين بدأ التيار المتشدد يستقطب المتعلمات, ويجند القياديات لمحاربة فكرة عمل المرأة على أنها ضد تعاليم الدين وأنها مؤامرة غربية على المرأة المسلمة التي من الأفضل أن تبقى جوهرة مكنونة في خدر مصون.
وهكذا عايشت المرأة السعودية بعد منتصف الثمانينات تداخل وضعين متناقضين: تسارع تعليمها حتى الدراسات العليا المتخصصة, وتصاعد معارضة المجتمع المحلي لعملها بعد التأهيل إلا في مواقع نسائية محددة ومحدودة. وحين لاحقاً أعيد فتح باب الإبتعاث للجنسين كانت استفادة الفتيات منه معلقة بقبول ولي أمرها ومرافقة محرم لها, فحرم التعنت الأسري كثيراً من الشابات الطموحات من فرص متاحة.
وللحوار تتمة قادمة،،،