د. محمد عبدالله الخازم
كتبت في مقال سابق عن مشروع الترفيه الجديد بمنطقة القدية بالرياض، وأبنت القلق من تسببه في زيادة العبء على مدينة الرياض التي أصبحت تنوء بالازدحام والضغط على مفاصل بناها التحتية، وكان هناك اعتراض فيما يبدو على وجهة النظر هذه، لم تتفهم مبرراتي، وترى أن الرياض مثلها مثل دبي، تستوعب كل شيء؛ ويجب أن تكون مركز استقطاب للمشاريع الكبرى؛ لتكون منافسة لعواصم الجوار.
دبي لا تقارن بالرياض حجمًا وسكانًا، ولا تملك التاريخ الذي يضعها نموذجًا للمقارنة، لكن لننظر ونقارن بمدن أخرى أقدم، وحصلت لها أو للدول التي تنتمي لها تقلبات اقتصادية، أثرت على نموها وجمالها وبناها التحتية، ونسأل أنفسنا ما الذي يمكن أن يحدث للرياض مستقبلاً بعد كل هذه التوسعات الضخمة فيها وما صاحبها من زيادة ضخمة في السكان ومن استنزاف أموال طائلة لتطوير البنية التحتية التي تستجيب لهذه الزيادات؟ أخشى أن تصبح الرياض كالقاهرة أو دلهي أو كراتشي؛ مدن مكتظة منهكة متعبة! انظر للطرق والأسواق والمساكن والعمائر وغيرها، وستدرك حجم الاقتصاد الذي تضخه المدينة في مفاصلها التنموية لأجل أن تتنفس وتتحرك فقط، وليس لأن تنتج. لا شك أن الرياض كانت صغيرة، لا تستجيب لمتطلبات العاصمة، لكننا بالغنا في تضخيمها حتى وصلنا لمرحلة عكسية. أصبح المطلوب تقليص مساحة وحجم الرياض وإلا فإننا نرتكب خطأ تنمويًّا، سندفع ثمنه مستقبلاً.
بلادنا واسعة ومتنوعة، ولا تختزل في مدينة واحدة، وهذه نعمة من الله؛ لذا أطالب بخطة جريئة وفاعلة، تمتد سنوات عدة نحو تخفيض سكان الرياض بمعدل لا يقل عن نصف مليون إلى مليون ساكن سنويًّا؛ لنعيد التوازن للرياض بجعلها مدينة متوسطة مريحة الحركة، وممتعة بسكان لا يتجاوز عددهم ثلاثة أو أربعة ملايين فقط. الرياض تعاني السير في حلقة منهكة: مشاريع ومؤسسات جديدة بالرياض؛ تتطلب مزيدًا من الموظفين والسكان والمستفيدين. وهؤلاء يسببون مزيدًا من الضغط والدفع بالتوسع في كل اتجاه، والحكومة تستجيب للضغط بضخ المزيد في تعديل ومحاولة زيادة قدرة البنى التحتية بشكل مستمر. الشارع الذي أُسِّس جميلاً عدَّلناه عشر مرات حتى فقد شكله الأساسي.. وهكذا المدينة في تشييد وهدم وبناء دائم. بنينا الأسواق والعمائر فحدث الازدحام؛ فاتجهنا باتجاه آخر؛ لنهرب من ذلك الازدحام الذي يلاحقنا.. وهكذا، حتى أننا لم نعد نعرف أين هو مركز المدينة. الوضع ينطبق على بقية مفاصل المدينة، التي لم تسترِح، وتُستنزف الأموال لملاحقة متطلبات هذا النمو الضخم وغير المبرر اقتصاديًّا. ضاعت هوية الرياض؛ لأن مهمتنا أصبحت مجرد الاستجابة لضغوط الزيادات السكانية، وفك الاختناقات التنموية في كل مكان.
مشروع الترفيه المعلن عنه سيستوعب 200 - 300 ألف وظيفة، وكل موظف تصاحبه أسرة، كما سيستقطب ما لا يقل عن مليونَيْ زائر سنويًّا، وإلا فإنه لن يكون ذا جدوى. هذا يعني مزيدًا من الضغط على مدينة الرياض؛ لذلك اقترحت تأسيسه في مدينة أخرى صغيرة الحجم بعيدًا عن المدن الكبرى. اقترحته وأنا أحد سكان الرياض أعاني هذه الزحمة وهذا الضغط؛ وأود تقليص عدد سكان المدينة، لا زيادتهم.