مهدي العبار العنزي
انتشرت في الآونة الأخيرة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي قضايا وحوادث وقصص يندى لها الجبين، تتعلق في الاستهانة في حقوق الوالدين وانتهاك حقوق الإنسان وعدم احترام القيم والضرب في كل الفضائل عرض الحائط حتى وصل الأمر ببعض من تبث صورهم وتتناقل المواقع أخبارهم التي تجعل من العقلاء وأصحاب الرأي في حيرة، ويتساءلون هل وصل الأمر ببعض شباب المسلمين إلى هذه الحال؟ وهل هذه المصائب التي حلت على الأمة مصدرها عدم التمسك بأوامر الرب جلَّ وعلا؟ أو أن مصدرها الجهل بعواقب الأمور أم أنها جاءت تقليداً لأعداء الإسلام أم أنها انسلاخ من العادات والتقاليد الحميدة التي تحث على الترابط والمحبة والتراحم بين أفراد الأسرة والمجتمع أم ماذا تسمى؟ لم يسمع هذا المجتمع الطيب الذي يستمد روحانيته وأخلاقه من عقيدة التوحيد قبل هذا الزمن أن أحداً أقدم على قتل أمه أو أبيه، ولم نسمع أن أحداً من أبناء هذا الوطن أقدم على ضرب والديه على مرأى ومسمع من الناس في الشوارع وتقوم كمرات التصوير بالتقاط هذه الجرائم وبثها للناس بصورة بشعة تعني السقوط الأخلاقي والانهيار العقلاني، وإذا كان من يقومون ببث هذه المناظر المخيفة يعتقدون أنها تدخل ضمن التقدم التقني وأنها حرية لا يُلام من يمارسها فهذا جرم آخر يضاف إلى الجرائم المرتكبة في حق الوالدين، وهو عمل لا يقرّه دين ولا مبدأ، يتعارض تماماً مع حقوق الإنسان التي تنظم العلاقة بين أفراد الأسرة وتبين ما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات لا يمكن التفريط بها. وليعلم من اتبع الشيطان وأغواه عن الصواب وأبعده عن جادة الحق أن الحقوق والحريات التي أقرَّها الدين الحنيف لا تعني على الإطلاق أن يعتدى أحد على أي إنسان مهما كان فما بالك عندما يكون من أقرب الأقربين له، وحقوق الإنسان لا تجيز على الإطلاق أن يعتدي أحد الأبناء على والديه لأن ذلك صادر فيه أوامر من الباري عزَّ وجلَّ ومرتبطة بوصايا وتحذيرات يلزم تنفيذها، فبر الوالدين وطاعتهما بغير معصية الله فطرة بشرية فطرها الله في عباده، كما أن معصيتهما توجب غضب الله ووعيده لمن يقدم على ممارسة العقوق، لأن ذلك العقوق من الظواهر السيئة السلبية التي لا يقررها دين ولا عقل ولا تتماشى مع سماحة الإسلام ومكانته وهيبة حدوده الذي أثبت أن عقوق الوالدين من الكبائر التي حذر منها سيد البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي شدد على أن كبيرة عقوق الوالدينتأتي مباشرة بعد كبيرة الإشراك بالله، قالها صلوات الله وسلامه عليه لأصحابه وحذَّرهم من العواقب الوخيمة التي تنتظر العاق لوالديه، لأن الله سبحانه وتعالى سيحرِّمه من الجنة ولا ينظر إليه يوم القيامة، وما دمنا مسلمين وملزمين بتطبيق مبادئ الدين الحنيف فإنه يجب أن نعرف تماماً أن الإسلام أعطى حقاً كبيراً للوالدين على أبنائهم، فهل نسينا هذه الوصايا وهذه الأوامر وبدأنا نتعامل بالتجاهل حتى في الأوامر الإلهية قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أو كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (23) سورة الأسراء.
لقد ربط الله سبحانه وتعالى عبادته ورضاه عن عبده ببر الوالدين ورضاهما، إننا لا نريد أن تأخذنا مشاغل الحياة عن أهمية تعريف الناس من خلال المساجد والمدارس والمجالس والمقررات الدراسية والخطب وعبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بكل ما يتعلق بفضيلة بر الوالدين، وفي كل ما له علاقة بحياة الناس اليومية حتى لا يكون بيننا من يجهل أو يتجاهل خطورة معصية العقوق التي انتشرت بكل أسف بين أبناء المجتمع، ليست هذه المعصية من قيمنا ولا من شيمنا ولا من تاريخنا ولا من سلفنا الصالح بل إنها دخيلة وبإمكان المجتمع أن يتعاضد ويتكاتف لنبذ كل ما هو دخيل على ديننا ووجودنا وبلادنا: ودعونا نرسخ مبدأ نعم للتراحم ولا للعقوق، والتعاون مع بعضنا بعضاً ومع هيئة حقوق الإنسان التي ستكون بحول الله عوناً لنا ضد من يتجرؤون على الاعتداء على أمهاتهم وآبائهم والحد من هذه الرذيلة وليس لتصويرها وبثها للعالم الذي لا نريد أبداً أن ينظر إلينا نظرة ازدراء واحتقار.. فهل نفعل؟!