عبدالعزيز السماري
أعادت المبادرة البيئية المميزة للدكتورة ماجدة أبو راس «أنا أحب جدة» لي شيئاً من التفاؤل حول مستقبل البيئة في الوطن، والذي يعتبر تفاعلا مدنيا رائعا مع اليوم العالمي للأرض، ويشارك فيه حراك اجتماعي من مختلف فئات المجتمع، وسيكون لهذا الحراك عظيم التأثير على مستقبل جدة البيئي.
ووجدتها فرصة للتوقف قليلاً، وتأمل آثار الجريمة البيئية في الوطن، فالأرض تعاني من فسادنا وقسوتنا وعدوانيتنا للبيئة والأشجار والأودية والجبال والطقس، فقد تعرضت هذه المعالم الطبيعية للتدمير خلال أربعة عقود، وكان نتيجتها أن تصحرت الجبال الخضراء في عسير وتلوثت أو اختفت الأودية في الأقاليم الزراعية والضواحي.
بما أنني أحد الذين عاش في منطقة الرياض منذ الصغر، سأدلوا بشهادتي حول التعديات على البيئة في مدينة الرياض على وجه التحديد، كانت البدايات عندما أقرت البلدية نظام عدم السماح للبناء فوق التلال والهضاب إلا بعد تسويتها مع الأرض، لحجة عدم كشف الجار للجار.
كان ثمن ذلك هدم الارتفاعات والتفاوت الجميل في مستويات الأرض، وهو ما أخفى الأودية ومجاري السيول، وفتح الباب للعقاري الجشع أن يدفن الوديان وبيعها بأغلى الأثمان، وكانت النتيجة غابة كثيفة ومتلاصقة من الكونكريت، وتظهر هذه الظاهرة في المدينة كلما اتجهت شرقاً.
أنقذ البعد التاريخي لمنطقة غرب الرياض من خطر هدم الجبال ودفن الأودية، وحفظ هذا الجزء من الرياض بعضاً من التنوع الجغرافي الجميل، ونتمنى أن تصدر القوانين لمنع هدم الهضاب والجبال والوديان، والمحافظة على الأودية في أشكالها الطبيعية، والتعامل بقسوة مع الذين يحولون بطون الأودية للسكن.
كان خلف ذلك تجار العقار ومن يقف خلفهم من المتنفذين في البلديات، وكان خلفها جشع وشغف تجميع أكبر قدر من المال، ثم الانتقال إلى صفوف المليون السعودي الذين يعيشون في الخارج، ولو تظهر سير هؤلاء في تكوين الثروات لربما اتضحت الصورة للجميع.
هل تعلم أن في الرياض أكبر كمية مياه مهدرة في كوكب الأرض، فمياه الصرف الصحي تحولت إلى نهر في جنوب الرياض، ويُسمح لها برغم تدني درجة معالجتها أن تخترق طبقات الأرض في اتجاه الجنوب، ولا زالت مشاريع معالجتها واستخداماتها لخدمة البيئة الخضراء متدنية عند مقارنتها بدول المنطقة، وأن رفع أسعار المياه إلى درجات عالية، سيحول هذه المدينة إلى فرن حراري في فصل الصيف، فالكثير قرر تحويل حديقة منزله إلى بلاط، وذلك من أجل حماية دخله المحدود من الهدر المالي.
هل تعلم أن عدم الاهتمام ببيئة الرياض وضواحيها جعل منها منطقة ترانزيت لانتقال الأموال إلى الدول المجاورة، وهل تدرك أنه لا توجد منطقة مؤهلة بالخدمات والضروريات حول المدينة صالحة لحياة المتقاعدين، وأن ما يحدث هو اجتهادات شخصية غير مؤثرة، وهل تدرك أن هناك خارطة طريق للثراء، يكون في نهايتها هدف أن ينتهي به المطاف أن يعيش خارج هذه البيئة.
هل تدرك -أخي القارئ- أن الخدمات لها طرق محددة المعالم، وما خلفها هو الفوضى والتلوث البيئي والبصري، وهل تعلم أن اللوحات الإرشادية لمشاريع توصيل الخدمات مثل المياه وخدمات النظافة إلى السكان هو مجرد غطاء لإيصال المشروع إلى عدد محدود من المواطنين، ثم ينتهي المشروع بدون مساءلة أو محاسبة.
أخيراً هل ندرك جميعاً أن احترامنا للبيئة هو يعني مدى تقديرنا واحترامنا للهوية التي نعتز بها، وأن تلك الأناشيد والأغاني التي تُبث كل يوم من الإذاعات وقنوات الـ»إف إم» ليس لها قيمة إذا كان من يبثها قد اختار أن يعيش خارج هذه البيئة.