د. خيرية السقاف
في معمعة التطهير تبرز الحاجة إلى تطهير بيئات العمل الطاردة للكفاءات الشابة, وذوي الخبرة في آن, الحريصة على شعار «مكانك قف» من أجل ألا يتغير أمر بذوي العراقة, والأقدمية!
مع أنهم قد أعطوا ما استطاعوا في ضوء خبرات, ومقدرات وقتهم, والزمن يأتي مع كل جيل بجديده, وما استحدث فيه من متغيرات قد تشمل الأفكار, والآليات, بمثل ما تشمل الوسائل, والمنجزات!
ووجود هذه الشرائح بذريعة «الأقدمية», فالأحقية تنفيه نواميس الطبيعة دولبة الزمن, وتطور البشر, وتغير الظروف..
وكما قيل: «أبناؤكم خلقوا لزمن غير زمنكم» جاءت هذه المقولة بما تحمله من حقيقة, وحكمة, وناموس لتكون نبراسًا حين يُتَطلب أن يُسلم جيلٌ مقاعده للجيل الذي يليه بأريحية, ويقين بأن هذا هو وقتهم, وهذه فرصتهم للعطاء, وللبذل, ولاستلام مقود الدفة, وتسيير السفينة!..
لكن وجود عناصر بشرية في مواقع العمل حيث هو من المتمسكين بأقدمية النزول فيها قد يكون عبئا ليس على الوظيفة فقط, بل على الجيل المستجد في بيئتها من جهة, حيث يسبب تعطيل التطوير فيها, ويعيق الأخذ بأسباب التغيير المنتج الفعال المتسق مع المستحدث من خبرات الواقع الجديد, وتحديدًا حين يكون أولئك من الجمود, والوقوف عند حدود خبراتهم, وعدم التفاعل مع التطوير, ما يجعل بيئة العمل التي هم فيها مرتعا للخمول, وعدم التجديد, وحبس الهواء النقي, والتكرار في التفاصيل, والجمود في الكليات, وتعسير مسار العناصر الجديدة, وإحباط هممهم, وإرهاق أفكارهم, ومضاعفة جهدهم حين يقعون بين مطرقة ما لديهم, وسندان ما عند هؤلاء!!
مع أن هذا ينتفي, أو يتقلص حين تكون العناصر السابقة ذات فاعلية, تواكب تفاعل الجديدة, وتؤمن بالتغيير الضروري, وتسعى للتطوير الفارض نفسه, وتتقبل الجديد الذي لا مناص منه, وتفسح لعناصره بحماسهم, وتمكن أفراده من فرصهم..
وفي ضوء المناشدة العامة بالتطوير, وبتمكين الخبرات الشابة, وبتطهير بيئات العمل من الجمود, ترى من ذا الذي فكر من قيادي جميع مؤسسات المجتمع المختلفة أن يدرس الواقع في دائرته وما فيه من تضارب بين خبرات الجيلين, وما يكون من سالب المواجهات بين الفئتين, وما قد يكون من غمط لحقوق الشباب منهم, وما قد يكون من تنمر القدامى بينهم, وما يحدث من مآلات سالبة نتيجة تصادم الجيلين لئلا يكون الحصاد في بيئة هذا العمل تضاربًا, وتباينًا, وإحباطًا, ومشاحنات؟!
فإن وجد بيئة دائرته العملية غير طاردة للتطوير, ومتفاعلة بقبول مع التغيير المثمر, وحريصة على مواكبة الذهنية الجديدة المستنيرة للعناصر الشابة بخبراتها المعرفية, وحصادها من معطيات زمنها يعرف بها نموذجًا يحتذى..
وإن وجد كل قيادي العكس يكون لزامًا على الجميع تطهير بيئات العمل الطاردة لكل ما يواكب الوقت إنجازًا, وخبرات, وتفاعلاً حيويًا مع هذه الخبرات الدافقة بكل ما يذهل به العقل البشري الحديث من معطيات نافعة للعصر, وإن جاء في إجراء الاعتذار فيها لأي عنصر جامد لا يجدد, ولا يثمر, في حالة أنه لم يستفد مما تقدمه الإدارة من فرص وسبل التطوير كالتدريب, والإضافة, ومكاسب مواكبة المستجد من الخبرات من حولها في مجالها.
فليست كل الخبرات القديمة منتجة, وفاعلة, ومواكبة, بل إنها في كثير حجر العثرة, وعامل العسرة لنجاح المؤسسة, ونقاء البيئة حيث تعمل.
كما قد يوجد في عناصر الجيل الجديد من هو على الشبه ذاته!!
أما المقياس فهو حرص القيادي في بيئة رعايته على أن تستقطب ما يوجب سلامتها, ويعزز إنتاجيتها, ويُثمر حصادها.