د. عبدالواحد الحميد
لعل واحداً من أهم الأوامر الملكية التي صدرت مساء السبت الماضي هو إعفاء وزير الخدمة المدنية السابق من منصبه بناءً على ما رفعه رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وما رفعه رئيس هيئة الرقابة والتحقيق والتي تَبَيَّن من خلالها ارتكاب الوزير السابق «تجاوزات بما في ذلك استغلاله للنفوذ والسلطة»، حسبما ورد في الأمر الملكي، وتشكيل لجنة وزارية في الديوان الملكي لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة للتحقيق مع الوزير السابق فيما ارتكبه من تجاوزات.
أهمية هذا الأمر الملكي التاريخي أنه يؤسس لقاعدة متينة في التعامل مع قضايا الفساد التي يرتكبها الوزراء وأصحاب المناصب القيادية الرفيعة في الدولة. فبصرف النظر عن القضية الحالية التي تخص وزيراً محدداً هو وزير الخدمة المدنية السابق، فإن الأهم هو أن الأمر الملكي يؤكد على الدور الأساسي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ويُفَعِّله من خلال الإشارة إلى ما رفعته الهيئة من تقارير إلى المقام السامي حول تجاوزات الوزير، وبالتالي فإن أي قيادي يرتكب تجاوزات وإساءة لاستخدام النفوذ والسلطة سوف يحاسب على تجاوزاته.
يجب أيضاً الإشارة إلى الدور الذي قامت به وسائل الإعلام، وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، عندما كشفت عن تجاوزات الوزير السابق ووضعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أمام مسؤولياتها لملاحقة القضية وفق نظامها. وقد أثبتت هذه القضية أن وسائل الإعلام أصبحت تقوم بدورها في لفت نظر القيادة بشفافية كبيرة إلى القضايا التي تشغل اهتمام الناس.
وبصدور هذا الأمر الملكي غير المسبوق في تاريخ مجلس الوزراء، فإن المجتمع يتطلع إلى حسم قضايا الفساد المشابهة التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي والتي تخص قياديين محددين في أجهزة الدولة وتتركز على توظيف الأقارب بشكل غير نظامي متى صح ذلك. ولا يعني هذا، بالطبع، أن هذه التهم صحيحة أو أن توظيف الأقارب وفق الأنظمة التي تطبق عليهم وعلى غيرهم من المواطنين بالعدل والمساواة وبعيداً عن المحسوبيات هو بالضرورة فساد، وإنما المطلوب هو حسم هذه الأمور التي يتداولها الناس وعما إذا كان المسؤولون الذين تلوك الألسن سمعتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي هم بالفعل متورطون بتجاوزات ينطبق عليها ما ورد في الأمر الملكي الكريم عن تجاوزات وزير الخدمة المدنية السابق، وبالتالي التحقيق معهم ومعاقبة من تثبت عليه منهم تهمة الفساد وفق الأنظمة.