«الجزيرة» - علي الصحن:
ينتظر الشارع الرياضي الكثير من برنامج التحول الوطني 2020، ومن رؤية المملكة العربية السعودية 2030. ويتوقع الرياضيون الكثير من البرنامج والرؤية، وأنهما سيكونان مرتكزًا مهمًّا، تنطلق منه الرياضة السعودية إلى فضاءات أوسع، وتتقدم من خلالهما خطوات نحو المنافسة، ومنح الفرصة للجميع ليكونوا شركاء في صناعة رياضة سعودية مختلفة، تكون ملء السمع والبصر. رؤية 2030 وتحول 2020 لم يغفلا الرياضة والشباب، شأنهما شأن كل المجالات في المملكة العربية السعودية.
التزامات الرؤية
عودة إلى رؤية 2030.. فقد نصت على أن «من التزاماتنا أن نكون داعمًا لوسائل ترفيه هادفة للمواطنين. سنقوم بزيادة الأنشطة الثقافية والترفيهية وتنويعها للإسهام في استثمار مواهب المواطنين، وسنطور الأنظمة واللوائح بما يساعد على التوسع في إنشاء أندية الهواة والأندية الاجتماعية والثقافية وتسجيلها رسميًّا، وسنطلق البرنامج الوطني (داعم) الذي سيعمل على تحسين جودة الأنشطة الرياضية والثقافية، ويوفر الدعم المالي اللازم لها، وينشئ شبكات وطنية، تضم النوادي كافة، بما يساعد في نقل الخبرات وأفضل الممارسات الدولية لهذه الأندية، وزيادة الوعي بأهميتها».
وبحلول عام (1442هـ - 2020م) سيكون هناك - بإذن الله - أكثر من (450) نادي هواة مسجلاً، يقدِّم أنشطة ثقافية متنوعة وفعاليات ترفيهية وفق منهجية منظمة وعمل احترافي، وزيادة نسبة ممارسي الرياضة مرة على الأقل أسبوعيًّا من 13 % إلى 40 %.
هذه اللمحات والأرقام وإن كانت بسيطة بنظرة سريعة إلا أنها تعكس كيف يتم التخطيط للرياضة في المملكة، وتؤكد أن المخطط يسعى إلى مضاعفة أرقام عدد الأندية بمناشطها المتنوعة، وأرقام عدد ممارسي الرياضة من المحترفين أو الهواة، أو الممارسين العاديين؛ وذلك في سبيل المحافظة على اللياقة البدنية، ورفع مستوى الصحة العامة للإنسان.
سلسلة قرارات تخطط
لمستقبل مختلف
التخطيط لتطوير الرياضة السعودية من خلال برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030 بدأ مبكرًا، وظهر من خلال خطوات عدة، وضعت السطور الأولى لتطوير الرياضة، وتقديمها بشكل مختلف.
فقد صدرت سلسلة من القرارات العليا التي هدفت القيادة - يحفظها الله - من خلالها إلى إصلاح القطاع الرياضي، وضخ المزيد من الدماء في أوردته، والسعي به إلى آفاق أوسع، تنقله من دائرته المالية الضيقة، وندرة موارده، وعدم قدرته على مواجهة المصاريف، فضلاً عن ترشيدها، إلى محل استثمار واسع، يضمن تدفق الإيرادات بشكل منتظم، ويمنح رجال المال فرصة تقديم ما لديهم من أفكار تطويرية واقتصادية، ويتوج جهود الدولة الساعية إلى جعل الرياضة أحد الموارد المالية الجيدة، بدلاً من كونها تستنزف المال على الدوام.
وهنا، سوف نستعرض القرارات التي صدرت خلال عام مضى فقط، وهي مع ما سبق من قرارات تكشف أن المشرع يخطط بهدوء لنقلة تكون حديث الناس، وتصنع اختلافًا، يلاحظه الجميع، ويؤطر لمستقبل يزهو به الجميع.
تحويل الرئاسة إلى هيئة
بداية التطوير الحقيقي
أول القرارات التاريخية أمر ملكي صدر في السابع من مايو الماضي (30 رجب)، تضمن تحويل الرئاسة العامة لرعاية الشباب، التي حملت هذا الاسم أكثر من 45 عامًا، إلى الهيئة العامة للرياضة. ومعلوم للجميع أن التغيير ليس للاسم فقط، بل يمتد لأوسع من ذلك، من ناحية ارتباط الهيئة المالي، واستقلاليتها وقدرتها على إدارة أصولها المالية ومواردها، واتساع الدائرة التي تستطيع التحرك بها. وبحسب الأمير عبدالله بن مساعد رئيس الهيئة فإن (القرار يجسد ما يحظى به قطاع الرياضة من دعم وعناية واهتمام من قيادة هذا الوطن الغالي، وأنه يمثل مرحلة جديدة، تحمل في طياتها مستقبلاً رياضيًّا أفضل بإذن الله، من خلال جهاز رياضي قوي، ومنشآت عصرية حديثة، وعمل مركز، سيحقق - بتوفيق الله - مستوى رفيعًا للرياضة التنافسية، ويسهم في نشر رياضة مجتمعية فاعلة). واعتبر سمو الرئيس العام القرار خطوة متسقة مع ما حملته رؤية المملكة 2030م، وما تضمنته من مبادرات لنشر الرياضة، وتعزيز قدرات أبناء الوطن في المحافل الدولية. ولاحقًا، وبالتحديد في الثاني من يناير الماضي، وافق مجلس الوزراء على الترتيبات التنظيمية للهيئة التي تهدف - بحسب قرار المجلس - إلى تنظيم قطاع الرياضة وتطويره، والنهوض بمقوماته، وتوسيع قاعدة ممارسي الرياضة، والعمل على تحقيق تميز للرياضة السعودية على المستويَيْن المحلي والدولي، إضافة إلى تنمية القدرات والطاقات الرياضية للشباب، وصقل مواهبهم ومهاراتهم، وتشجيع جميع فئات المجتمع على ممارسة الرياضات المتنوعة والمشاركة فيها، مع نشر ثقافة التطوع والشراكة المجتمعية في المجال الرياضي، والعمل مع وزارة التعليم لتنمية وتطوير رياضة المدارس والكليات والجامعات.
كما تهدف الهيئة - بحسب التنظيمات - إلى وضع الخطط والمعايير لإنشاء المرافق والمنشآت الرياضية، وإدارتها، والاستفادة من بيوت الشباب، والترخيص لإقامة منشآت ومرافق ممارسة الأنشطة الرياضية، ووضع اللوائح والمعايير المنظمة لذلك. وتختص الهيئة في سبيل تحقيق أهدافها بتنسيق الجهود مع اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية والتعاون معها، والعمل على الارتقاء بأدائها. كما تختص الهيئة بتشجيع الاستثمار في المجال الرياضي.
إعادة هيكلة القطاع الرياضي وصندوق تنمية الرياضة
أعلن مجلس الشؤون الاقتصادية في الثالث عشر من نوفمبر الماضي (13 صفر) ضمن مناقشته موضوع إعادة هيكلة القطاع الرياضي وتطويره وتنميته، بما يخدم تنافسية الرياضة في المملكة على كل الأصعدة، وفي حينه وجَّه المجلس الهيئة العامة للرياضة والجهات المعنية الأخرى باتخاذ ما يلزم لإنشاء صندوق تنمية الرياضة، والرفع عن ذلك خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر (تنتهي في 13 جمادى الآخرة المقبل).
ومن بين أهداف الصندوق:
- تقديم القروض والتسهيلات للأندية الرياضية التي ستخصص فيما بعد أو التي لن تخصص.
- إيداع محصلات بيع الأندية في المراحل التالية كافة.
- دعم الألعاب الرياضية المختلفة وتنميتها.
- الاستثمار في المجالات ذات الصلة.
- المساهمة في تخصيص الأندية الرياضية.
- إنشاء وتمويل حاضنات لألعاب الهواة المتعددة تحت مظلة مؤسساتية بما يخلق وظائف تزيد على (40) ألف وظيفة.
تخصيص الأندية القرار التاريخي
تتويج القرارات المتلاحقة لدعم النشاط الرياضي وتحريك مياهه الراكدة ذات العلاقة بالمال والاقتصاد، ومده بمفاصل جديدة، تعينه على التحرك بديناميكية أكثر، وتمنح أهل الرياضة المجال لمصافحة أهل الاقتصاد، وتقديم عمل يخدم الوطن وأهله، كان بقرار مجلس الوزراء التاريخي الذي صدر في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي (21 صفر)، الذي أعلنت فيه الموافقة على تخصيص الأندية الرياضية التي تشارك في بطولة الدوري السعودي لأندية الدرجة الممتازة لكرة القدم (دوري المحترفين)، وتحويل الأندية الرياضية، التي تقرر اللجنة المشار إليها في البند (خامسًا) من هذا القرار تخصيصها، إلى شركات بالتزامن مع بيعها. وتتولى الهيئة العامة للرياضة منح هذه الشركات تراخيص وفق شروط تضعها لذلك، مع قيام الهيئة العامة للرياضة - بالتنسيق مع وزارة التجارة والاستثمار، ووزارة الاقتصاد والتخطيط - بوضع الضوابط والشروط اللازمة لممارسة شركات الأندية نشاطها، ورفع ما يتم التوصل إليه لاستكمال الإجراءات النظامية في شأنها، وقيام الهيئة العامة للرياضة بالتنسيق مع الاتحاد العربي السعودي لكرة القدم ورابطة دوري المحترفين بتعديل ما يلزم من الأنظمة واللوائح والقواعد المعمول بها لدى الهيئة العامة للرياضة وغيرها من الأجهزة المعنية بالرياضة، بما يتوافق مع متطلبات تخصيص الأندية وإعادة هيكلة القطاع الرياضي، ورفع ما يلزم الرفع عنه لاتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في شأنه.
كما تضمن القرار التاريخي تكوين لجنة، تتولى الإشراف على متابعة استكمال مراحل تخصيص الأندية الرياضية وتنفيذ إجراءاتها. وللجنة تشكيل لجان فرعية وفرق عمل للتنفيذ والاستشارات المالية والقانونية، وتفويضها بالصلاحيات اللازمة لتنفيذ ما تتطلبه مراحل التخصيص وإجراءاتها.
ولا شك هنا أن انتقال ملكية وإدارة الأندية الرياضية إلى القطاع الخاص ولو بشكل جزئي، بعد أن كانت مملوكة للدولة، أمر من شأنه أن يطور العمل في الأندية، ويحررها من روتينية الإجراءات اليومية، ويجعلها قادرة على التحرك في مساحات أوسع لتقديم خدمات أفضل في المستقبل. وقد جاء ترحيب الشارعين الرياضي والاقتصادي بقرار خصخصة الأندية السعودية ليؤكد أن القرار قد طال انتظاره، وأن الجميع يتفق على أنه الحل الأبرز لمشكلات الأندية السعودية المالية، وقدرتها على مواصلة الحضور الفاعل المشرف في المستقبل.
أهداف ومستهدفات هيئة الرياضة
تضمنت أهداف ومستهدفات الهيئة العامة للرياضة في برنامج التحول الوطني ما يأتي:
- زيادة نسبة ممارسي الرياضة والأنشطة البدنية بشكل منتظم. ويرتبط ذلك بهدف زيادة ممارسة المواطنين للأنشطة الرياضية والبدنية في رؤية 2030.
- تطوير الجيل القادم من الشباب، وزيادة فخرهم واعتزازهم الوطني، وتحسين نظريتهم ورضاهم عن برامج الهيئة. ويرتبط ذلك بترسيخ مفهوم الوسطية والتسامح وقيم الإتقان والانضباط والعدالة والشفافية في رؤية 2030، والمحافظة على الهوية الوطنية وإبرازها والتعريف بها، ونقلها للأجيال القادمة، وزيادة ممارسة المواطنين للأنشطة الرياضية والبدنية.
- حسن استثمار المنشآت الرياضية والشبابية للهيئة. ويرتبط ذلك في رؤية 2030 بتحقيق التوازن في الميزانية، والارتقاء بمستوى أداء ومرونة الأجهزة الحكومية.
- تمكين وضمان استدامة رياضيي النخبة في تحقيق أداء عالي المستوى في المحافل الدولية للفوز في الميداليات في الألعاب المختلفة. ويرتبط ذلك بهدف زيادة ممارسة المواطنين الأنشطة الرياضية والبدنية.
وفي السابع والعشرين من مارس الماضي دشن الأمير عبد الله بن مساعد رئيس الهيئة العامة للرياضة رئيس اللجنة الأولمبية العربية السعودية برنامج رياضيي النخبة (ذهب 2022) والهوية الجديدة للجنة الأولمبية العربية السعودية، وذلك خلال الحفل الذي احتضنته الصالة الرياضية في الرياض تحت رعاية ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، بحضور عدد من أصحاب السمو الملكي الأمراء والمعالي الوزراء.
وتضمن البرنامج دعمًا ماليًّا لرياضيي النخبة (الدعم السنوي)، يصل إلى 25 ألف ريال للاعب الناشئ، ولا يقل عن 10 آلاف ريال، فيما سيصل الدعم للاعب المحترف إلى 150 ألف ريال، ولا يقل عن 60 ألف ريال، فيما سيحصل من يحقق ميدالية ذهبية في (الأولمبياد) على مليون و500 ألف ريال، بينما سيحصل صاحب الفضية على مليون ريال، وصاحب البرونزية على نصف مليون ريال، بجانب مكافآت (دورة الألعاب الآسيوية)؛ إذ سينال صاحب الذهبية 750 ألف ريال، وصاحب الفضية 500 ألف ريال، وصاحب البرونزية 250 ألف ريال. أما في (بطولات العالم أو البطولات الآسيوية) فسينال صاحب الذهبية 350 ألف ريال، والفضية 250 ألف ريال، والبرونزية 125 ألف ريال.
إطلاق مشروع أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية
مساء يوم الجمعة الماضي أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي ولي العهد رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة إطلاق مشروع أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية نوعية في المملكة، وذلك بمنطقة (القدية) جنوب غرب العاصمة الرياض، التي تعد الأولى من نوعها في العالم بمساحة تبلغ 334 كيلومترًا مربعًا، بما في ذلك منطقة سفاري كبرى.
ويضم المشروع - بحسب ما صدر ليلة الإعلان - أربع مجموعات رئيسية، هي: الترفيه، رياضة السيارات، الرياضة والإسكان والضيافة؛ إذ يوفر المشروع بيئات مثالية ومتنوعة، تشمل مغامرات مائية ومغامرات في الهواء الطلق وتجربة برية ممتعة، إضافة إلى رياضة السيارات لمحبي رياضة سيارات الأوتودروم والسرعة بإقامة فعاليات ممتعة للسيارات طوال العام، ومسابقات رياضية شيقة وألعاب الواقع الافتراضي بتقنية الهولوغرام ثلاثي الأبعاد، إلى جانب سلسلة من أرقى البنايات المعمارية والفنادق بأفضل المعايير والمواصفات العالمية الراقية بإطلالة ساحرة وتصميم أنيق؛ وذلك لتوفير المزيد من الراحة والانسجام للزوار.
ما سبق يكشف أن الخطى الحثيثة تتسارع لتقديم رياضة مختلفة، تخدم الجميع من الجنسين، وتتيح مجالات مشاركة ومواقع ممارسة مختلفة، وتقدم شكلاً جديدًا للرياضة، ينقلها من عالم المنافسة فقط إلى المنافسة والمشاركة والممارسة وغيرها.. والجميع يدرك أن القيادة الرشيدة لن تقف عند هذا الحد، وأن لديها بشائر جديدة للشعب، ينتظر إطلاقها خلال الفترة المقبلة، وتسهم في المزيد من الرفاهية والراحة - بإذن الله -.