د.ثريا العريض
عايشت السعودية بعد منتصف الثمانينات تداخل وضعين متناقضين: تسارع تعليم المرأة حتى الدراسات العليا المتخصصة, وتصاعد معارضة المجتمع المحلي لعملها بعد التأهيل إلا في مواقع نسائية محددة ومحدودة. وحين لاحقاً أعيد فتح باب الابتعاث للجنسين كانت استفادة الفتيات منه معلقة بقبول ولي أمرها ومرافقة محرم لها, فحرم التعنت الأسري كثيراً من الشابات الطموحات من فرص متاحة.
لاشك أن مفتاح توازن المجتمع تجاه قرار تعديل موقع المرأة ودورها، يكمن في معقولية اختيار المدى الزمني الذي نقارن وضعها في أوله بوضعها في آخره, فكلما اختير هذا المدى بصورة انتقائية كلما جاء التصنيف الناتج غير علمي وغير واقعي. هكذا نرى التصنيف الإيجابي, الذي يقارنها اليوم بالمرأة قبل الإسلام حين كانت المرأة متاعاً يتوارث, يتناقض مع التصنيف السلبي الذي يقارنها بأوضاع المرأة في الجزيرة في مطلع القرن, حين كانت مشاركة المرأة جزءاً مهماً في الحياة الاقتصادية للأسرة, وكان حضورها فاعلاً غير مختزل بتبرير حمايتها من تأثير خطورة «افتتان» الذكور الضعاف بها! كذلك الذين يقارنون موقعها بموقع نساء الغرب يتناسون أن منجزات المرأة الغربية تراكمت بعد قرون من التغير البطيء في نظرة المجتمع, وضمن ظروف استثنائية ضاغطة, كالحربين العالميتين, وهبوط وانهيار اقتصادي كوني.
يجدر بالباحث الحيادي, غير المرتبط بأيديولوجية محلية أو غربية, أن ينظر إلى متغيرات وضع المرأة السعودية خلال إطار زمني معقول؛ فقبل السبعة عقود الأخيرة لم تكن هناك دولة سياسية توحد المناطق التي تحمل اليوم الهوية السياسية السعودية, وكانت المرأة في البيئة البدوية في صحارى قلب الجزيرة تختلف عنها في السواحل المفتوحة والمناطق الزراعية والجبال الوعرة. ومع ذلك ففيها كلها, رغم اختلاف تفاصيل الدور الفعلي اقتصادياً, كانت المرأة تتمتع بحضور حيوي في المجتمع ولم تعزل عنه تحت أي مبررات بدعوى أن حضورها في الحيز العام باب يؤدي إلى الإثم يجب أن يسد. بعد مطلع القرن واتضاح المعالم الهادمة لتوجه التشدد, مشجع أن نرى المهتمين ببناء المجتمع المتوازن بتوجه مختلف حول التعامل مع الفرد, أثمر الآن رؤية تحول تعتمد سياسة تفعيل المؤهلين من الجنسين. وسيكتمل تمكين المرأة السعودية للقيام بدورها المجتمعي كما يجب حين يصبح لها حق اختيار تفضيلاتها التخصصية والحياتية حسب قدراتها وميولها الفردية, لا بتفضيلات المجتمع تحت توجيه التشدد والانغلاق ومشاعر الوفرة والترفع عن العمل اليدوي. ما أراه مشجعاً وداعياً للتفاؤل هو أن المرأة نفسها بدأت تتقبل متطلبات الدور الفاعل, وتثبت الآن قدرتها على تحمل المسؤوليات المناطة بها في الإدارة العامة والعليا، مصنفة الصعوبات والتشكيك والرفض من بعض فئات المجتمع على أنها تحديات ستتغلب عليها بإصرارها على إثبات الذات, وتأكيد صحة النظرة التي منحتها ثقة التعيين والدعم. ومتفهمة أن معارضة بعض فئات المجتمع لتغيير الوجهة سببها التخوف لعدم الاعتياد. وأن المستقبل ليس باباً مغلقاً.