يوسف المحيميد
رغم أهمية جميع الأوامر الملكية السبت الماضي، والتغييرات المهمة في عدد من قطاعات الدولة، والتركيز على الشباب بتعيينهم نواب لأمراء المناطق ونواب الوزراء، وإعادة البدلات لموظفي الدولة بعد استقرار الاقتصاد، بل نموه حتى لو بنِسَب قليلة، وما تشكله هذه البدلات من أهمية كبيرة للمواطن، إلا أن أكثر الأوامر الملكية جذبًا للانتباه، وحديثاً في الرأي العام، والتي ستحمل ملامح مستقبل الدولة الجديدة، هي إقالة وزير ومحاسبته على استغلال سلطته ونفوذه في قراراته، أعني وزير الخدمة المدنية، فقد كان إعفاء الوزراء ينتهي إما بتعيينهم مستشارين في الديوان الملكي، خاصة ممن يتميزون في مجالات عملهم، أو استبعادهم من العمل الحكومي بشكل نهائي، لكن أن يتضمن الأمر الملكي بجانب إعفاء الوزير محاسبته، بعد رفع نزاهة تقريرًا عن مخالفات وزير الخدمة السابق للمقام السامي، فهو أمر جديد يقود إلى جملة إصلاحات مهمة في المستقبل.
هذا التحول في حكم سلمان هو أمر مهم للغاية، بما يحمله من إشارة قوية، وتلويح واضح للوزراء وكبار رجال الدولة، من احتمال تعرض أي منهم للمساءلة في حال استغل نفوذه وسلطته في أمور غير مشروعة، وغير نظامية، بما يقود إلى مزيد من النزاهة وكفاءة الأداء الحكومي، وهو ما نبحث عنه في جميع قطاعات الدولة والقطاع الخاص.
هذا الملك الذي فاجأ العالم بقيادة دول التحالف في حرب عادلة على ميليشيات الحوثي وصالح فجر 26 مارس من العام 2015، بعملية عاصفة الحزم، ليس مستغربًا أن يقود حربًا على الفساد في الداخل، فإصلاح البيت من الخارج لا يكفي، لابد من إصلاح الداخل أيضا، وتجب محاسبة المخطئ علانية حتى لو كان وزيرًا، فهذا وحده ما سيجعل الوطن يسير بكفاءة ونزاهة نحو المستقبل، وهو ما سيجعل المواطن يدرك أن الوطن لم يعد يحتمل وجود متلاعبين في مقدراته حتى لو كان وزيرًا.
هذا الحزم سينسحب أيضًا على القطاع الخاص، وما يحدث فيه من تلاعب وتجاوز للأنظمة، واعتداءات على أملاك الدولة، وعلى المرافق العامة، لسنوات طويلة، بما يجعل كثيرًا ممن يضربون بالأنظمة عرض الحائط، يحسبون ألف حساب لكل مغامرة يقصدون بها امتلاك ما لا يحق لهم امتلاكه، هذا الحكم العادل هو أساس الدولة، وهو ما سيقود لتحقيق كثير من الأهداف النظرية لرؤية المملكة، التي كنا نرى فيها عند إطلاقها مثاليات بعيدة المنال، قد لا تتحقق، ها هي تبدأ بالتحقق الآن، بقوة وعدل وحزم، في محاكمة وزير لم يحافظ على الأمانة!