فوزية الجار الله
لم يحدث يوماً أن ظننت بأني أعرف من هذا العالم ما يكفي باعتباري ممن امتهنوا القراءة والكتابة وجعلوها سقفاً وقاعدة لحياتهم، أرضاً وسماء لأحلامهم، لكنني أحياناً أشعر بشيء من الاطمئنان لما أحمله من معرفة حين أقارن نفسي بآخرين سواء كانوا مبتدئين في عالم الكتابة أم آخرين لم ينالوا حظاً وافراً من القراءة، إلا أن هذا الاطمئنان سرعان ما يتبدد في لحظة حين تقودني أقدار غير محسوبة إلى التعرف إلى أمور أخرى في هذا العالم، على سبيل لمثال: أتابع أحدهم ما بين الفترة والأخرى على «السناب شات» فأجده يتحدث عن إيليا أبو ماضي وابن زيدون وخير الدين الزركلي والمتنبي فيصيبني الملل إذ أوقن بأن هذا قارئ وربما مثقف مبتدئ وأن ما يقوله يندرج تحت خطواتي القرائية الأولى، لكن سرعان ما يتبدد هذا الاطمئنان حين أقرأ عن آخرين أو حول معارف أخرى، عندها أوقن بأنني لازلت في خطواتي الأولى في عالم المعرفة لأسباب متعددة أولها: أن المعرفة تتجدد خلال الدقيقة والثانية.. ثانياً: أن ثمة كتاباً ومثقفين سبقوا لازلنا نجهلهم، بعضهم رحل وبعضهم لازال موجوداً متألقاً لكن تحت سماء أخرى، هذا حين ننظر إلى الوطن العربي بشمولية من محيطه إلى خليجه، هذا عدا الأدب الغربي.
هذا الإحساس يبدو جميلاً ومدهشاً فهو يجعلك تقف وتتلفت حولك، ويجعل بينك وبين الغرور والزهو بالذات حجاباً، إضافة إلى أنه بحد ذاته يجعلك دائماً في حالة دهشة وسعادة بما تحظى باكتشافه ما بين الفترة والأخرى، ذلك الإحساس لا يضيرك أبداً بل يمثل تسامياً ورقياً، تبدو روحك أكثر غنى وثراء وأنت تملك شعور المبتدئ الذي لازال يخطو خطواته الأولى في عالم الثقافة.
ربما يكون واحداً من محرضات سطوري أعلاه أنني ذات سهو جميل، أثناء جولتي عبر «الإنترنت» ما بين باب يغلق ونافذة مضيئة تُشرع وجدتني أقرأ عن كاتب عربي، لا أتذكر بأنني قرأت شيئاً من مؤلفاته إطلاقاً، هذا الكاتب يدعى إدمون عمران المالح وهو كاتب وصحفي مغربي يهودي معارض للصهيونية يلقبه معارفه بـ»الحاج إدمون» وقد دخل عالم الكتابة الأدبية والفلسفية بعد أن تجاوز الستين من العمر.. عائلته ذات أصول أمازيغية من أقصى شرق سوس وقد ولد في مدينة «أسفي» المطلة على المحيط الأطلسي عام 1971م.. عمل إدمون مدرساً لمادة الفلسفة وصحفياً في جريدة «ليسبوار» عارض إدمون المالح بقوة وشراسة تهجير الآلاف من اليهود المغاربة نحو إسرائيل في منتصف الستينات وفند الأطروحات الصهيونية التي سعت لتبرير ذلك، دافع عن قضية الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال الإسرائلي..
نقل عنه قوله لمرات عديدة «أنا مغربي يهودي لايهودي مغربي» مناضل عربي وطني، أحمل بلدي المغرب أينما ذهبت. صدر له حوالي عشرة كتب أولها «المجرى الثابت» وآخرها «رسائل إلى نفسي» عام 2010.