محمد سليمان العنقري
أعلنت وزارة النقل البدء في دراسة مشروع تطبيق فرض الرسوم على استخدام الطرق التي تربط بين المدن بشكل تجريبي على الشاحنات التجارية بداية العام المقبل 2018م. وذكر في البيان أيضًا أنه ستتم دعوة شركات محلية مع تحالفات عالمية وشركات متخصصة في امتيازات إدارة الطرق. وتهدف الوزارة إلى رفع معدلات الجودة والسلامة والخدمات على الطرق، وإشراك القطاع الخاص بإدارتها.
وضع رسوم على الطرق السريعة سيحقِّق نجاحًا بتحصيل إيرادات تغطي أعباء صيانتها، وتطوير الخدمات عليها، وخصوصًا أن المقصود تلك الطرق السريعة بين المدن الكبرى والمناطق، وليس كل الطرق، كالفرعية أو الزراعية أو داخل المدن. هذا ما كان يتردد منذ بداية الحديث عن رسوم الطرق قبل سنوات؛ فالفكرة ليست جديدة، لكنها لم تتحرك إلا مع بداية برنامج التحول الوطني؛ إذ تنتقل الأجهزة الحكومية المشاركة في الرؤية لرقابية وإشرافية. وبما أن الطرق السريعة تُعد مصدرًا للدخل عالميًّا، وفق تجارب دول عديدة، وكونها تستنزف أكثر من نصف ميزانية الوزارة سنويًّا على أعمال الصيانة، فمن الطبيعي التفكير بطرق تمويل لتشغيلها، تكون على أساس تجاري؛ إذ يتوقع أن تكون إيراداتها مصدر دخل جيد، يغطي نفقات الوزارة على الطرق الفرعية وبقية التكاليف الأخرى التي ستبقى تحت مسؤوليتها؛ لأنها غالبًا لن تكون ذات جدوى تجارية جاذبة للشركات المختصة بإدارة الطرق.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: من أين يجب أن تكون البداية لتأسيس عمل تشغيلي متطور لهذه الطرق التي قد تزيد على 15 طريقًا رئيسيًّا على أقل تقدير؟ وقد طرحت بمقال، نُشر في ديسمبر 2015 بجريدة الجزيرة، فكرة إنشاء (شركة للطرق السريعة) على غرار شركة القطارات (سار)، أي أن تؤسَّس من قِبل صندوق الاستثمارات العامة، وتُدرج بالسوق المالي مستقبلاً؛ لتعمل بأسلوب تجاري، وتحقق إيرادات جيدة من خلال رسوم على المركبات التي تستخدم تلك الطرق (بكثافة)، مثلما طُرح ببيان الوزارة. وقد ذكرت الشاحنات التجارية، وأن تتحصل تلك الشركة على إيرادات أخرى من خلال تأجير المحطات واللوحات الدعائية والخدمات الأخرى.. لكن ما يتضح ببيان الوزارة أنها تتجه لدعوة شركات عديدة، وقد يكون الهدف تجزئة الطرق لعقود عدة؛ لكي لا تكون شركة واحدة تدير كل الطرق. فهل سيكون مجديًا منح أكثر من شركة حق الانتفاع بإدارة الطرق؟ وكيف سيكون شكل تلك الشركات وملكيتها؟ فلا يوجد لدينا أي شركة متخصصة بهذا النشاط، أو تمتلك خبرة فيه؛ ولذلك قد يكون من الأفضل تأسيس شركة بملكية من صندوق الاستثمارات العامة مع تحالف مع شركة عالمية مختصة بهذا النشاط لنقل الخبرة وتوطينها، ولتكون نواة لهذا النشاط الحيوي لعقد أو عقدين من الزمن قبل التفكير بمنح شركات أخرى رخصًا لهذا النشاط؛ حتى تستقر التجربة، وتتوطن الخبرة، مع أهمية أن تبقى ملكية الطرق حكومية، ويبقى دور الشركة أو الشركات تشغيليًّا، بينما تحصل الوزارة على نسبة من الإيرادات كما هو الحال بقطاع الاتصالات؛ كي تتمكن من تغطية نفقاتها على صيانة وتشغيل الطرق الفرعية، وإنشاء الجديد حسب الاحتياج.
كما أن السؤال الآخر هو: هل سيكون للطرق التي توضع عليها رسوم طرقٌ بديلة كما هو متبع عالميًّا؛ ليكون الخيار باستخدام طرق ليس عليها رسوم، وتحديدًا من المركبات الخاصة، بينما يمنع على المركبات والشاحنات التجارية استخدام طرق بديلة لضمان السلامة وجودة الطرق؟
كما أن وضع رسوم على الشاحنات التجارية سيؤدي بالضرورة إلى رفع تكلفة البضائع والخدمات التي ستُحمَّل على المستهلك النهائي؛ ما يعني بالضرورة التوسع بشبكة القطارات بين المناطق والمدن الرئيسية؛ لكي تكون وسيلة بديلة أقل كلفة لنقل البضائع، وتقلل من أثر الرسوم برفع الأسعار وتكلفة المعيشة في نهاية المطاف، إضافة إلى أنه يجب أن يراعَى وضع تنافسية السلع المنتجة ببعض المناطق بالمملكة، تحديدًا الزراعية، مع السلع المستوردة من الخارج؛ حتى لا ترتفع تكلفتها؛ فتكون الرسوم من تلك المناطق أقل من غيرها.
قطاع النقل يُعدُّ ركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية؛ ويتطلب تطويرًا مستمرًّا بخدماته، وتوسعًا بالطرق وأنواعها؛ وبذلك فإن تكلفة تشغيلها تزداد سنويًّا؛ ما يعني الحاجة لابتكار أساليب تشغيلية وتمويلية جديدة ومختلفة عن القائمة حاليًا، التي تتأثر بمخصصات الموازنة العامة وتأثير إيرادات النفط المتذبذبة عليها.. إلا أن الانتقال لمرحلة جديدة لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار عوامل اقتصادية واجتماعية استراتيجية لضمان نجاح التحوُّل نحو تشغيل وخدمات عالية الجودة بالطرق السريعة. وواضح أن الوزارة متأنية، وتريد أن تخوض التجربة بأسلوب حذر؛ حتى تتمكَّن من قياس النتائج، ومدى جدوى الاستمرار في بالمشروع من عدمه، وخصوصًا أنها نجحت منذ تأسيسها قبل ستة عقود في إنشاء شبكة طرق معبَّدة، تفوق أطوالها 80 ألف كم، بخلاف الطرق الزراعية والترابية، ساهمت في تعزيز نمو الاقتصاد الوطني.