عنيزة - خالد الروقي:
يرعى صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم يوم الثلاثاء المقبل «ملتقى الصبرة» الذي تنظمه الغرفة التجارية الصناعية بعنيزة ممثلة بلجنة الأوقاف وذلك بمقر الغرفة.
ورحب محافظ عنيزة الأستاذ عبدالرحمن السليم بسمو أمير المنطقة، مشيرا إلى أن سموه - حفظه الله- عودهم دائما على الدعم اللامحدود والتفاعل منقطع النظير لكل ما من شأنه خدمة الوطن الغالي.
وبكل عبارات التقدير ومعاني الترحيب، أبدى رئيس مجلس إدارة غرفة عنيزة الأستاذ محمد بن عبدالله الموسى، ترحيبه بسمو أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل، وأضاف:» نحظى بتوجيهات سموه الكريمة في كافة المناشط والملتقيات ونتشرف بدعمه وتحفيزه الكبيرين لتبقى المنطقة متميزة ومتألقة على كافة الأصعدة.
كما رحب رئيس الغرفة بكافة الحضور من أصحاب المعالي والفضيلة والقضاة والمستشارين والمتخصصين الذين سيثرون الملتقى الذي يـُعد الأول من نوعه. وقال الموسى:»مثل هذه المواضيع تعتبر مهمة وبدون أدنى شك تحظى بإهتمام ملحوظ من وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني.
من جانبه، أوضح رئيس لجنة الأوقاف بالغرفة الأستاذ محمد بن أحمد الزامل، بأن الملتقى سيناقش أهم وأبرز القضايا ذات العلاقة بالصبرة في منطقة القصيم، وسيتم خلاله طرح عدد من الدراسات وورق العمل المرتبطة، بذلك بمشاركة نخبة متخصصة بهدف الخروج بتوصيات يتم رفعها لأصحاب الشأن منوهاً بأن الملتقى سيتكون من عدة جلسات تنطلق من الساعة الرابعة والنصف عصراً.
من جهته، أوضح عضو مجلس الأوقاف الفرعي عضو لجنة الصبر والحكورات بمنطقة القصيم الأستاذ عبدالملك الزامل، أن مدينة عنيزة تعتبر من المدن السعودية التي لها قدم في انشاء المزارع والمساكن، منذ مئات السنين، حيث تقع على ضفة وادي الرمه، وتتميز بوفرة المياه، وقد سميت وفي وقت من الأوقات حاضرة نجد، لما تتميز فيه من الأسواق وكثرة البيع والشراء فيها، ولوجود عدد لا بأس به من المزارع والمساكن، ولكثرة تداولها بين ساكنيه انشأت لدى كثير من الملاك الذين لا يرغبون بيعها إنما يريدون أن تبقى كأصل لأبناهم من بعدهم أحفادهم، وهكذا صارت لديهم الرغبة بتأجيرها.
وقال أنه ولكي يرغبون المستأجر بالاستئجار، عرضوا على المستأجرين لمدد طويلة ولكي يضمنون عدم تصرف ذرياتهم بأصل الملك فصاروا يتفقون مع المستأجرين، قد تصل بعض الاحيان إلى الف سنة وبعضهم لا يحدد مدة ومعظم تلك الايجارات بدأت بالقرن الثاني عشر الهجري، مشيرا إلى أن هذا النوع من الإيجار صار العامة يطلقون علية الصبرة، وقيمة تلك الصبرة تختلف فتارة، تكون دراهم نقداً أو أصواع عيش»قمح» وقليل غيرة مثل تفليسة وما في حكمها، وتلك الصبر هي التي سنفصل في أنواعها وهي كما يلي:
- صبر حرة: أي انه تعتبر ملكاً لورثة المصبر يحق لهم بيعها للمتصبر (المستأجر) أو غيره بمعنى أنهم إذا باعوا فإنهم يبيعون الأصل.
- صبرة وقف: أي أن صاحب العقار يؤجر عقاره لمدة طويلة بمبلغ معروف ويوقف هذا المبلغ (الريع) على ذريته أو على حسبما تنص وصيته وهذا النوع من الصبر يمكن بيعها إذا وجد ناظر للصبرة وإلا على قاضي البلد.
- صبرة وقف للمصالح العامة: للمساجد وما في حكمها يوقفها صاحب العقار للمصالح العامة، وهذا سهل التصرف فيه لكون المساجد وما في حكمها من جمعيات خيرية وغيرها لدى جهات رسمية يمكن التفاهم معها لتحرير تلك الاملاك من الصبر، وقد جرى في الفترة الماضية تحرير كثير من الأملاك من الصبر بعد تقدير قيمة العقار بصبره وتقديره بدون صبرة (حر) والفرق يدفعه المستأجر.
- المساقاة بالمزارع: وهذا النوع اعتبره نوعا من أنواع التأجير (الصبر) الطويل حيث يتفق صاحب الأصل (الفلاحة) أو المزرعة) مع المستأجر على سقي المزرعة لمدة تصل بعض الأحيان إلى مائتين سنة، ويوجد بعنيزة مزارع مستأجرة متصبرة لمدد طويلة، وبعد إحاطة المباني بها قام المستأجرون( المتصبرين) بتصبير أطراف المزرعة لأشخاص اخرين وقام هؤلاء الاشخاص ببناء بيوت لهم حول تلك المزارع وتصبيرهم الأخير خلال مدة إيجارهم للمزارع وقاموا بتجزئة الصبرة الأصل على تلك البيوت.
من جهته، أوضح المستشار الشرعي في محكمة عنيزة الشيخ عبدالله بن محمد الخنيني، أن عقد الصبرة هو اصطلاح أطلق على تأجير العقار لمدة طويلة بأجرة معلومة، سواءً كان العقار حراً أو وقفا وقد تطرق فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن الصبرة في كتابه «الشرح الممتع على زاد المستنقع» الجزء العاشر باب الإجارة بمايلي:» يجب أن نعرف الفرق بين الأجرة التي يكون فيها العقد على نفس الدار, وبين الحكر أو الحكورة التي يكون فيها على منفعة الأرض وهذا أظنه موجوداً في كثير من البلدان مثل الحجاز ونجد ومصر, تكون الأجرة على الأرض وليست على نفس البيت، ولهذا يملك المستأجر أن يهدم هذا البيت وأن يغيره وأن يتصرف فيه كيفما يشاء، ولكن في الإجارة المحضة لايملك أن يتصرف في البيت، ففرق بين أن آتي إلى رجل وأنا أريد أن أبقى في هذا البلد سنتين أو ثلاثاً وأقول :أجرني بيتك فيؤجرني إياه، فالبيت لصاحبه، فالمستأجر لايملك إلا الانتفاع حتى أنه لايملك أن يعدل باباً من الأبواب ولا أن يفتح فرجة في جدار لإنه إنما استأجر المنفعة فقط، أما العين فلايتصرف فيها، وفي مسألة (الحكورة) وتسمى عندنا (الصبرة) من الصبر وهو الحبس المعقود عليه ليس العين بل المعقود عليه منفعة الأرض ولهذا يجوز لمن عقد عقد (حكورة) أن يهدم البيت وينشئه من جديد وصاحب الأرض لايقول له شيئاً لأنه يعرف أنه إنما أجره مدة بدراهم معينة، وليس له رغبة في نفس البيت أو في نفس الدكان، وهذا هو الذي عليه العمل الآن ولهذا في بلدنا يؤجرون الحكر إلى مدة خمسمائة سنة وستمائة سنة وألف سنة.
على كل حال أقول: إن هناك فرقاً بين الأجرة المحضة وبين الحكر لأن الحكر إنما يقع على الأرض ولايلتفت الأخذ بهذا العقد إلى مسألة العين).. انتهى كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
واكد المستشار الخنيني، أن عمد الناس إلى الحكر (الصبرة) في وقت سابق لحاجتهم إليه لقلة ذات اليد وعدم وجود من يشتري منهم العقار ولرغبة مالك العقار استثمار عقاره، ولا يستطيع استثماره بنفسه فيقوم بتأجيره مدة طويلة قد تصل أحياناً إلى ألف سنة أو تزيد، لأنه لن يجد من يستأجره بمدة قليلة، حيث إن المستأجر سيقوم باستصلاح الأرض وحفر بئر فيها وزراعتها أو عمارة بيت عليها ولن يعمل ذلك المستأجر إذا كانت المدة قليلة، وأيضاً المؤجر يرغب استمرارية الدخل السنوي له ولمن بعده، وقد ساد العرف في الصبرة أن للمتصبر أثناء مدة تصبره أن يتصرف في العقار ببنائه أو زراعته أو غير ذلك من التصرفات الجائزة، وله أيضاَ بيع بقية مدته لمن يلتزم بما التزم به من أجرة وشروط, وقد استفاد المؤجر ومن بعده بوقت قريب من هذا العقد وما يعود منه من أجرة لأن عددهم قليل والأجرة في ذلك الوقت مناسبة، ولكن بعد طول المدة نشأ من هذا العقد مشاكل لكثرة عدد المستحقين لمنفعة العقار المؤجر والمستحقين للأجرة فلا يجد المستأجر من يأخذ منه الأجرة لقلتها ولكثرة المستحقين لها، وحيث إن كل فرد منهم لايرغب تحمل مسؤولية استلامها وتوزيعها فتضيع الأجرة عليهم، وكلما تأخرت المدة زادت المشكلة وتضرر المؤجر والمستأجر وأصبح هذا العقد مصدر مشاكل بين الأقارب من أجل منفعة العقار لمن تكون وأجرة المنفعة لمن تكون وبيد من، وربما يكون قد تضاعف عدد المستحقين إلى المئات وربما تتلف الوثائق مع طول المدة فلا يعرف العقار لمن ومن مستحق الصبرة، وقد كثرت المطالبات بالمحاكم بخصوص ذلك، ولذا فإن الحاجة ماسة لحل مشكلة هذه الصبرة، وذلك عن طريق ولاة الأمر وأصحاب الفضيلة العلماء والقضاة وكتاب العدل لأجل أن لا تتفاقم المشكلة وتضيع الحقوق وتكثر المشاكل وأن من أنجع الحلول في رأيي أن يحل هذا العقد بطريقة عادلة للطرفين يتم بحثها وإقرارها من المسؤولين والعلماء بعد جمع الاقتراحات والآراء من المختصين والمهتمين بهذا الشأن وأصحاب الخبرة والمواطنين اللذين يعانون من هذه المشكلة ومن ثم يعمد أصحاب الفضيلة القضاة بتنفيذها .
من جانبه قال أستاذ الإقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز في مدينة جدة د. مقبل بن صالح الذكير: أتمنى من الفقهاء أن يجتهدوا في إعادة النظر في صحة طول الفترة الزمنية لهذا النوع من عقود الصبرة (الحكر) لما زاد عن مائة سنة ( 300 و 500 و حتى ألف سنة) فطول الفترة عن جيل واحد أو جيلين قد يفضى إلى نزاع.
ومعلوم أن من مقاصد الشارع في عقود المعاوضات المالية في شريعتنا الإسلامية، تحقيق العدالة بينهم، وعدم انخراط الناس في عقود تُقضي بذاتها الى النزاع والخلاف بينهم بسبب طول مدة العقد وبسبب تغير الظروف، وتعدد الورثة المستفيدين من العقد سواء من جانب مالك العقار وورثته أو من جانب المتصبر (المحتكر) وورثته.
عقد الصبرة «الحكر» أجيز شرعا لانه يخدم إغراضاً، ولا بأس به من حيث المبدأ، لكني أشعر بقلق من ناحية طول فترته الزمنية لأكثر من مائة سنة، وأضاف:» أعتقد أنه من واجب الفقهاء أن يعيدوا النظر في مثل هذه العقود بناء علي ما اتضح من مشاكل وصعوبات عملية من خلال ما يشاهده القضاة في المحاكم.. والله من وراء القصد».