د. عبدالواحد الحميد
زرت عاصمة عربية بعد غيابٍ طويل عن تلك العاصمة التي أحبها جداً، فراعني التدهور المحزن الذي طاول مختلف جوانب الحياة هناك. فبالإضافة إلى الغلاء الفادح الذي يخنق المواطن، وضعف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية التي يحتاجها الاقتصاد من أجل الاستيراد من الخارج؛ هناك سوء شديد وشامل في مستوى الخدمات حتى تلك التي تعتمد على مُدْخَلات محلية ولا تحتاج إلى عملة صعبة لتوفيرها.
تجولت في بعض شوارع المدينة وطرقاتها، فبدت لي واجهات المباني كئيبة ومثقلة وملطخة بآثار التلوث المتراكم والمنطلق من عادمات السيارات القديمة التي تتزاحم في شوارعها! وذهبت إلى بعض الحدائق التي كنت أعرفها في الزمن القديم فوجدتها قد تحولت الى أحراش شوكية عشوائية، ورأيت أكوام المخلفات الملقاة في كل مكان بالحديقة فسألت صديقي لماذا لا تقوم البلدية بتوظيف عَمَالة من أهل البلد الذين نراهم يعملون في بلدان أخرى كي يحافظوا على نظافة المكان فقال لي أنه لا يوجد شح في توظيف العمال لكنهم لا يعملون لأنهم لا يجدون من يحاسبهم على الإهمال!
ثم ذهبت لزيارة بعض الكنوز الأثارية في ذلك البلد، وهي كنوز يمكن أن تدر مليارات الدولارات، فوجدت أماكن الآثار في حالة يرثى لها من الإهمال، وحاولت أن أعثر على مقهى نظيف يليق بأهمية وعظمة تلك الأماكن لكنني فشلت، فحزنت كثيراً لهذا التفريط في آثار تراكمت على مدى آلاف السنين وعلى الفرص الاقتصادية الضائعة التي كان بالإمكان استثمارها لتوظيف أهل البلد وإنتاج كل ما يحتاجونه من السلع والخدمات وتصدير الفائض كما كانوا يفعلون سابقاً قبل أن يتغول القطاع العام ويبتلع الأخضر واليابس ويفتح باب الفساد على مصراعيه لاحقاً تحت اسم «الخصخصة» التي صنعت قططاً سمينة ولم تصنع إنتاجاً حقيقياً.
لن أقول إن عواصمنا ومدننا الخليجية بلا مشاكل، فمشاكلنا كثيرة وفداحتها تختلف من مكان لآخر، لكن كل ما نشكو منه لا يقارن بما رأيته.
لقد غابت مشاريع العمل العربي المشترك في مجال الاقتصاد بسبب الخلافات السياسية، كما أن أنظمة الحكم التي دخلت في تجارب فاشلة متعاقبة بددت كل فرص النجاح بسبب سوء التخطيط وسوء الإدارة فهربت الاستثمارات وانكمشت الاقتصادات المحلية، فضلاً عن الحروب والقلاقل التي دمرت بلداننا العربية.
ما يبعث على الحزن هو أن الفرص التي تتيحها الاقتصادات العربية كانت ومازالت كبيرة وكفيلة بأن تقضي بشكل كامل على التخلف الذي تعاني منه البلدان العربية وعلى الحرمان الذي يعاني منه المواطن العربي، لكنها بكل أسف فرصٌ مهدرة.