د. خيرية السقاف
لا يخفى على العامة قبل الخاصة أنّ من يقسم بأداء الأمانة في العمل يعرف أنّ أداءها يتطلّب الصدق, والإخلاص, والعناية, والإحاطة بتفاصيل عمله, ومواكبة جزئياته قبل كلِّياته, من حراس الأمكنة إلى المنفذين باختلاف مراتبهم وأدوارهم, بما خفي في مخبأ, أو سجل في ورقة, وما أودع في مخزن, أو صرف من حساب, بمن جلس في استراحة, ومن غفا في «تعسيلة», أو خرج في وقت دوام, أو أغلق بابه دون الزحام, أو شُغل بهاتفه, أو تغاضى عن واجبه, وبما ضخ من آلة, أو تعطّل من باب, أو فقد من مفتاح, أو لم ينجز من أداء, بما فيه حفظ السر, ودحض الظلم, وتحفيز العطاء, وتقدير الجهود, والمشاركة الفاعلة في خلية الإنتاج, بحيث يكون شعلة من الوعي, ووعاءً مجرداً من الذات, وإيثاراً بالفكر, والقلب, والخبرة, والبذل, بالانخراط الكلي في معمعة التنفيذ الدقيق بدءاً من التأكد من سلامة الأهداف الخاصة بمسؤوليته, والعامة التي تضطلع بها مرافقها, ومعرفة الأولويات في تدرُّجها في الأهمية, والأخذ بأنجع الوسائل, والسبل لتطويرها, ورسم خرائط مردودها, وتقنين آليات إنتاجها..
القسم يعني فتح العينين, وإيقاظ الضمير, وتسيير الجوارح, ورصد الفكر, وإيقاف الجهد على تحقيق الدور, وتمثيل القدوة فيه..
القسم يعني العناية بالمسؤولية, وواجباتها أولاً قبل العناية بالقيمة المادية لتجهيزات المكتب, ووسيلة النقل, ومكان الإقامة, وهيئة المظهر, وتشكيل الفريق الاستشاري, وبروق الحركة..
فما أسندت مسؤولية لشخص ما إلاّ توسماً فيه خيراً ممن سواه, وما أخْتير لها إلاّ عشماً في قدرته على جعلها نموذجاً فاعلاً في بناء, وتوطيد مؤسسة يتولاها في المجتمع بحيث يكون فيها القانون سيد العدل, وكفة الميزان, ومسطرة التقويم, وهو المنفذ المتمثل ذاته هذا القانون..
يندرج هذا السلوك حين يمثله كل من أقسم باليمين فيمن يشاركه العمل, وتنفيذ جزيئاته, فالأعمال لا تنجح دون شراكة, وحين تكون خيوط النسيج متينة بحد النظام, وشرف الأمانة, ونزاهة الفعل, يكون الجميع ذوي ضمائر, لم يؤد أصحابها قسماً أمام قائد فقط , بل أمام من يراهم جميعهم , ويسمعهم, فالله حين يكون الشاهد الذي يضعه الوزير المفوّض الكبير, والموظف الصغير بين عيونهم تؤتي ثمارها الأيمان التي يقسم بها الرجال الأوائل في مؤسسات العمل أمام الحاكم, حينها يكونون ومن يشاركهم المسؤولية عيناً له, ويداً مع يده, ودافعاً لأن ينتقل كل المجتمع إلى وطن آمن, متطور, منجز, تكبر طموحاته, ويعلو سقف تحضره, ويستتب فيه القانون, في ضوء العطاء أمام الذات المخلصة الأمينة, الصادقة..
حينها يكون المحك لنجاح الطموحات، وبلوغ الغايات الإنسان مطلق فرد في كتلة مجتمع.
وإنه قسم عظيم، وعهد مسؤول.