د. محمد عبدالله الخازم
يبدو أن الشهر الماضي كان شهر العواصف في مونتريال؛ بدأت بالعاصفة الثلجية التي ضربت المدينة الشهيرة وتبادل الإتهامات بين المسؤولين حول المتسبب في التقصير الذي شل الحركة وتسبب في الحوادث في مدينة يفترض أن لا تكون غريبة عن الثلج والعواصف المصاحبه. لم ينته جدل تلك العاصفة الطبيعية حتى تبعه عاصفة فكرية حول الحرية الأكاديمية تتعلق بواحدة من أعرق الجامعات الكندية الواقعة في مدينة مونتريال، جامعة مكقيل. لنبدأ القصة حول من تسبب في تلك العاصفة وكيف؟
السيد أندرو بوتر شخصية معروفة في الوسط الإعلامي كما هو في الأكاديمي بعد أن كان رئيس تحرير صحيفة أوتاوا سيتزن، استقطبته جامعة مكقيل قبل عام تقريباً ليرأس مركز الدراسات الكندية، وهو منصب رفيع له تقديره في الأوساط الأكاديمية الكندية. بعد العاصفة الشتوية وسوء الخدمة في مقاطعة كويبك كتب مقالاً في مجلة ماكلين المعروفة في كندا، قسا فيه في توصيف أهل كويبك بشكل أستفز الساسة في المقاطعة، فبدأت الضغوط السياسية تكشر عن أنيابها. ورغم أنه حاول تدارك الموجة العاصفة بتقديم اعتذاره عن بعض ماورد في المقال، إلا أن إدارة الجامعة -كما يبدو- مارست عليه ضغوطا ليقدم استقالته من منصبه القيادي، بعد أن صرحت بشكل غير متوقع بأن كلامه لا يمثل الجامعة، وهنا وصلت العاصفة مداها، بتقديمه استقالته. طبعاً استقال من منصبه القيادي وليس من الجامعة كأكاديمي..
البعض قد لا يستغرب ذلك في كويبك ويصفها بأنها من المقاطعات الكندية ذات الحساسية تجاه النقد وأحياناً تجاه الغرباء، ولست ممن يوصفها بذلك. لكن الموضوع يتعلق بمبدأ الحرية الأكاديمية لأعرق الجامعات الكندية، وهو المبدأ الذي اضطر رئيس الوزراء الكندي ترودو للتعليق على القضية المشار إليها أعلاه بالتأكيد على أهمية الحرية الفكرية وفي نفس الوقت مؤكداً بأن الجامعة مؤسسة مستقلة وليس للحكومة - الفدرالية- التدخل في قراراتها. استمر الموضوع كحدث مهم في الإعلام الكندي، وتحول الضغط تجاه الجامعة ودعوة البعض لمديرتها للتحلي بالشجاعة وتقديم استقالتها تأكيداً على استقلالية الجامعة وعدم رضوخها لضغوط الساسية والمتنفذين في المقاطعة. وحتى لا ننحاز للإعلامي فإدارة الجامعة تريد التفريق بين حرية الأستاذ الجامعي المفتوحة وبين حرية القيادي بالجامعة الذي يحتل منصباً يمثل الجامعة وليس نفسه فقط. بدليل أن الأستاذ محور القضية لم يستقل من منصبه الأكاديمي كأستاذ وإنما من منصبة القيادي فقط، كما تشرح إدارة الجامعة.
مجرد الضغط على أكاديمي طرح رأيه، رغم أنه اعتذر عنه، كاد أن يعصف بإدارة أشهر الجامعات الكندية، وهذا يطرح السؤال؛ إلى أي مدى يستطيع كاتب ينتمي للجامعة أو للمؤسسة التعليمية أو الفكرية التعبير عن آرائه النقدية في وسائل الإعلام بحرية كافية؟ هل تشجع الجامعات ذلك، أم يزعجها مشاركة أعضائها في الحراك الثقافي والإعلامي والنقدي المحيط؟
المتربصون جاهزون، فلنكتفي بقراءة عاصفة جامعة مكقيل. ولا بأس من أمنية أخيرة بتوفر مجالاً أرحب لحرية التعبير في جامعاتنا ومؤسساتنا وإعلامنا ومجتمعنا بصفة عامة، بما يشمله ذلك من حريات البحث والنشر والمشاركة...