د. محمد عبدالله العوين
مرت على بعض الوزارات أسماء وزارية اعتقدت أنها معصومة، أو أنها تملك من المواهب الخارقة والقدرات العجيبة ما ليس عند أحد من البشر ؛ ولذلك تم اختيارهم - حسب ظنهم في أنفسهم - يتوهمون أنهم لا ينطقون عن الهوى، وأن كلامهم حكمة نافذة، وأنهم لا يذهبون مذهبا ولا يعالجون أمرا إلا ألهموا الصواب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا ينظرون إلى موظفيهم إلا من علو، ولا يستقبلون شاكيا أو متظلما أو طالب حاجة إلا بعد عناء ومواعيد وانتظار طويل عند أبواب «الحجاب» يرون الأمور في وزاراتهم من مصدر واحد هو الحاجب نفسه الذي يمسك بعتبات باب الوزير فيوصده إيصادا، ويحكم إغلاق منافذ الشمس والهواء عليه؛ فلا يرى إلا ما يرى، ولا يسمع إلا ما يسمع، ولا يعلم إلا ما يعلم الحاجب نفسه.
لا يدري بعض الوزراء عن وزارته إلا من خلال قصاصات صغيرة يكتبها الحاجب تهميشا على معاملة أو تزكية لمحبوب أو تلميحا لا يخلو من خبث في الصياغة عن آخر يوجب أن يحل عليه الغضب ؛ فيحل حتما.
مر على بعض الوزارات في عهود ما قبل المحاسبة «السلمانية» المباركة وزراء يعمرون في وزارتهم فيتوهمون أنهم منحوا صكا على كرسي الوزارة لن يسقطهم من على عرشها سوى هادم اللذات ومفرق الجماعات!
ومع تمكن داء وهم التفرد والنبوغ في بعضهم يُوحي إليه أن آراءه أسطر خالدة، وأن اختياراته لا يمكن أن تخيب، وبتسلط هذا الوهم على عقله يبدأ بتجميع الأصحاب والأقرباء، وأبناء حيه ثم مدينته ثم منطقته، حتى تصبح وزارته بعد أشهر أو سنوات من تربعه على عرشها وزارة الأصحاب والأحباب والأقرباء والأنساب والأصهار وأبناء الشارع والحي والمدينة والمنطقة!
مر على بعض الوزارات من لا يكتفي بجلب من يهوى ويحب من جماعته ومدينته أو منطقته؛ فيمنحه المراتب والمناصب والمسؤوليات؛ بل يصطفيه اصطفاء؛ فيكون العين التي يبصر بها، والأذن التي يسمع بها، واللسان الذي يتحدث به، والعقل الذي يفكر به، فلا يستغني عنه في سفر ولا في حضر ولا اجتماع أو مؤتمر؛ إن سافر كان بجانبه، وإن عقد اجتماعا كان خلفه يوشوش له، اصطفاء عجيب للأحباب والأصحاب بحيث يلغي هذا الهوى من كان سابقا موجودا في الوزارة من أصحاب الكفاءات والخبرات، فيكنس الحب الجديد من بقي صامدا متماسكا من عهود وزارية سابقة قديمة!
مر على بعض الوزارات من يمنح أحد المصطفين الأخيار دون غيره ممن يفوقه علما وخبرة ومهنية بالتنطيط والترشيح والتزكية طقة واحدة توصل المحبوب المرضي عنه قفزا دون أن يتكسر أو يصاب بالتواء إلى الخامسة عشرة!
كان أحدهم يثق كل الثقة في «الحاجب» الذي يستخدم سياسة «الصابونة» وهي بطبيعتها زلقة لا يمكن أن تقف تحت قدم أحد حين يطؤها؛ فأصبحت إشارة معلومة في إدارة الحاجب تكفي لإخفاء معاملة أو طلب أو شكوى فلان الغريب عن الدائرة المتنفذة «بعبارة «زحلقه على الصابونة»!
كم من المظالم كوت من قلوب؟! كم من القضايا يا ترى سترفع لو أن نفحة من نفحات الحزم السلماني العادل المبارك لفحت من مر على بعض الوزارات ممن اعتقدوا أنها إقطاعيات أو تكيات أو هبة من الهبات الربانية اصطفاهم الله بها لعبقريات نادرة فيهم فلم تأت إليهم وهي تتهادى إلا لأنهم مختلفون عن بقية البشر!
لقد نفذوا بجلودهم وولوا وولى زمانهم ؛ لكن في قصصهم والله عبرة وعظة للأجيال، وفي تذكرهم واستعادة سيرهم المؤلمة نعمة كبرى حين نرى مقصلة العدالة السلمانية تطيح بالوزراء الفاسدين ممن يستغلون المناصب الوزارية لمصالحهم الشخصية متناسين الأمانة والقسم الذي أقسموه أمام ولي الأمر؛ ولكنهم - مع الأسف - حنثوا به وخانوا الوطن.