د. جاسر الحربش
الأمر الملكي السامي بتقديم الامتحانات هدفه التخفيف على الطلبة والطالبات في صوم رمضان الكريم. صيام رمضان ركن من أركان الإسلام، وطلب العلم عبادة مفروضة بالوحي الإلهي والهدي النبوي. من المؤكد أن الأمر الملكي استند على آراء المختصين في شؤون العبادات والاستئناس بآراء التربويين في شؤون التعليم، وفي النهاية جاء الأمر الملكي لمصلحة راجحة قدمت التيسير على المشقة.
نتيجة لذلك سوف يفقد نصف السنة الدراسية بضعة أسابيع تكون على حساب الجودة النوعية والزمنية في استكمال المناهج الدراسية، لأن الضغط الزمني على إكمال المنهج سوف يشكل بالضرورة مشقة على الطالب والمعلم، مشقة علمية وليست تعبدية، ولكن ضعاف الاستيعاب من الطلبة والطالبات خصوصاً سوف تكون معاناتهم أكبر، وحتما ً سوف يرتبك تحصيلهم الدراسي التراكمي فيما بعد.
هل من وسيلة أخرى تجمع بين المصلحة التعبدية الراجحة بدون مشقة على الطالب، وتخفيف العبء الاستيعابي عليه، بطريقة لا ضرر على المنهج ولا ضرار على الطالب؟. من المتفق عليه أن مواد الحفظ النظرية التي لا تتطلب الإجهاد الفكري ولا الاستنتاج أو التطبيق العملي تتساوى في المناهج السعودية مع المواد العلمية البحتة. أعتقد بوجود امكانيتين للتعامل مع هذه الحقيقة. الأولى تخفيف العبء النظري المتطلب للحفظ والاستذكار على دفتر الإجابات، مقابل استقطاع الوقت المتوفر للمواد العلمية المتطلبة للتفكير والاستنتاج والتطبيق، وهي الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الحاسوب. الإمكانية الثانية تغطية النقص الذي لابد من تغطيته من المواد النظرية بتكليف الآباء والأمهات لأداء هذه المهمة في المنازل، ولا أظن خلو منزل سعودي من أب أو أم لديه القدرة والاستعداد للقيام بهذا الواجب في ساعات الفراغ.
لن يغامر عاقل بتقديم أهمية العلم والمعرفة على العبادات الأساسية، بعلة أن مرحلتنا التنموية بحاجة ماسة إلى التحصيل العلمي المتسارع والمكثف، لكنني فقط أتوسل التفكير بالجمع بين المصلحتين. احتمال أن الآباء والأمهات قد يتقاعسون في أداء الواجب احتمال ضعيف، فهم الأحرص على مصلحة ومستقبل أبنائهم وبناتهم وهم أهل للثقة.
قد يكون الحل الأفضل الجمع بين الإمكانيتين، تخفيف العبء النظري بالتركيز على الأساسيات التي يجب أن تبقى في ذاكرة المسلم مهما طال الزمن وتقدم به العمر، مع الاستعانة بالمساهمات المنزلية لاستكمال ما هو لازم بالضرورة للتعلم في مناهج الدين واللغات، بما في ذلك اللغة الإنجليزية التي لا يفيد التعليم المدرسي فيها على كل حال، ومستويات الطلبة المتدنية في اللغة الإنجليزية عند الالتحاق بالجامعات دليل موثق على ذلك.